“اسمه أحمد” اصدار شعري للشاعر السعودي الطرفاوي الأستاذ حسن بن مبارك الربيح تمكن فيه من اعادة الروح لأدب الطفل في زمن العولمة، وتفنن وأبدع فيه حتى نال عنه جائزة الدولة لأدب الطفل في قطر في دورتها السادسة.
ديوان الشاعر الربيح من مدينة الطرف المعروفة بأنها ولادة للمتميزين والمبدعين، موجه للأطفال خاصة وتنوَّع في موضوعاته ال (25) بين مبادئ وقيم أخلاقية وتربوية من السنة النبوية تؤسس سلوك الطفل من خلال عرض شعري موسيقي لطيف خفيف يتناسب مع الأطفال وعيا واهتماما.
وقد علل الشاعر الربيح اختيار اسم ديوانه ب “اسمه أحمد” بأنه إشارة إلى الآية الكريمة التي جاءت على لسان نبيِّ الله عيسى (عليه السلام): (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ…) الصف 6، لما يتضمنه الديوان من قيم ومبادئ مستقاة من السنة النبوية العطرة.
مركز اعلام الطرف أجرى مقابلة حوارية مع شاعر الطرف الأستاذ حسن الربيح جاء فيها:
? 1-أهلا بك أستاذ حسن الربيح، حدثنا أولا عن (حسن الربيح)، من هو حسن الإنسان؟
بداية أتقدَّم بالشكر الجزيل للأستاذ عادل السلطان وللقائمين في لجنة الأهالي على هذه الاستضافة الكريمة والمساحة المضيئة التي خصصت للقاء.
الحديث عن (الإنسان) حينما يكون وصفًا لك، حديث ادِّعاء، وإن كنتُ أطمح لهذه الصفة، ولكن لا أدَّعي أنني وصلتُ إليها بالمعنى السلوكي، فلكي تتجاوز التراكمات التي فيك، وتتعامل مع البشر بعيدًا عن تصنيفهم تحتاج إلى تجاوز عقبات كثيرة وتدريب، ولكي تحدِّد مواقفك في الحياة وفق نظرة إنسانية، تحتاج إلى مزيد من الوعي والاستقلالية، وهذا ما أحاول الاقتراب منه على المستويين النظري والسلوكي.
?2- علاقة الإنسان بالشعر كعلاقة القيثارة بأوتارها، منذ متى بدأت تدندن على أوتار الشعر، حدثنا عن تاريخه معك؟
جميل أنك جعلت الإنسان والشعر كالقيثارة والوتر، فلا إنسان بلا شعر، ولا قيثارة بلا وتر.
الشعر في الأرياف ينشأ معنا منذ التكوين فغناء الأمومة في البيت، وأهازيج الأفراح والمناسبات الأخرى، والكلمات المرنَّمة التي كنَّا نردُّدها في الكسوف الخسوف بطريقة جماعية، وما يردِّده (المسحِّر) في ليالي رمضان، كل ذلك أسهم في وضع اللِّبنات الأولى في التفاعل مع الحياة والطبيعة والبشر بالشعر والجمل الموقّعة، كنت في صغري أحفظ الكثير من هذه الأهازيج، استهوتني القراءة كذلك، فبدأتُ بتكوين مكتبة صغيرة جدًّا منذ أن كنتُ في الصف السادس الابتدائي 1406هـ، وفي المرحلة المتوسطة كنت ميَّالًا إلى الشعر الشعبي قراءةً وكتابةً، حتى وصولي إلى المرحلة الثانوية حيث أخذتْ القصيدة الفصيحة تدخل عليَّ بعد أن اهتديت إلى الموسيقى الشّعريّة، فكان الإنشاد سيّدَ الموقف، وكانت محاولاتي تحاكي الشّعر الجاهلي وما كنَّا ندرسه في تلك المرحلة، وفي الجامعة أخذ النُّضج في الكتابة يكتمل شيئًا فشيئًا، وأتذكر في هذه المرحلة أنَّني قمتُ بإصدار (كاسيت) مع مجموعة من أصدقائي بأصواتِنا لبحور الشعر العربي، وانتشر انتشارًا واسعًا في وقتِها.
في الجامعة راح الوعي الشعري يلتهم الشعر الحديث، وأعدُّ الانطلاقة الحقيقية لي في الأعوام 1414هـ، 1415هـ، 1416هـ.
?3- يقال: “ما تركز عليه تحصل عليه”، ما رأيك في هذه المقولة وهل كانت سببا في بعض انجازاتك، وآخرها فوز ديوانك الأخير بعنوان (اسمه أحمد) بالمركز الأول في جائزة الدولة بدولة #قطر قسم أدب الطفل.
بالتأكيد فالمقولة كانت صادقة معي بنسبة كبيرة فيما أريد الوصول إليه، فأنا من الأشخاص الذين يعيدون النظر في أعمالهم قبل إخراجها، وهذا ساعدني في مسألة التركيز، ففي الديوان مثلًا بذلتُ جهدًا كبيرًا، ومتواصلًا على مدى ثمانية أشهر تقريبًا، كنتُ في هذه الفترة أقرأ كثيرًا، وأستشير، وأكتب وأمحو، وأعرض ما أكتبه على مجموعة من فئات عمرية بين 14 إلى 16 سنة من طلابي كنت أعقد معهم ورشًا عملية استمرَّت قرابة الشهر، وأنا أستمع وأرى مدى التفاعل، فهم المقياس الأول والأخير فالديوان موجَّه إليهم، فلهم مني كل الشكر والتقدير على ما بذلوه معي، وما كشفوه لي من أشياء كثيرة أَعدتُ النظر فيها، حتّى وصلتُ إلى الإخراج النهائي للعمل وتنسيق القصائد وتصميم الغلاف كل ذلك وضعته في عين الاعتبار، على أمل أن يكون الديوان منافسًا حقيقيًّا وقويًّا، لا سيَّما وأن هذه الجائزة يدخل فيها كبار الأدباء من الوطن العربي.
?4- يقال إن بعض الإنجازات العظيمة تولد من رحم الألم، ترى ما قصة ديوان (اسمه أحمد)؟ عرّفنا على هذا الديوان الرائع لسيرة نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه؟ وهل لنا ببعض ثماره؟
الديوان عبارة عن مشاهد منتقاة من سيرة المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – تناسب النشء في أهدافها وثمارها، وتم عرضها بطريقة شعرية خفيفة جدًّا، جاء في (25) قصيدة قصيرة وموزَّعة موضوعيًّا، ومنوَّعة إيقاعيًّا بين العمودي والتفعيلة، وإليك نموذجًا من هذا الديوان:
مَكَّةُ أرضُ الوِلادَة
(1)
عَلَى جِبالِ (مَكَّةٍ)،
تَقُولُ صَخْرَةٌ، لأُخْتِها:
سَتَهْطُلُ السَّماءْ
وَتُعْشِبُ الأَرضُ هُنا،
وَتَسْعَدُ النَّسْمَةُ، فِي الأَرْجاءْ
سَتَهْطُلُ السَّماءْ
وَتَلْبَسُ الغُصُونُ ثَوبَ عُرْسِها
وَيَسْكُبُ الطَّيرُ لَنا،
حلاوَةَ الغِناءْ
سَتَهْطُلُ السَّماءْ
وَتَغْسُلُ الصُّخُورُ وَجْهَها
وَيَسْتَفِيقُ الجَبَلُ الرَّاقِدُ،
فِي الصَّحراءْ
(2)
عَلَى جِبالِ (مَكَّةٍ)،
هُناكَ صَخْرَةٌ
تَرْتَقِبُ الماءَ
الَّذِي سَيُفْرِحُ السُّهُولْ
كَأَنَّها تُحِسُّ
بِاقْتِرابِ مَولِدِ الرَّسُولْ
فَلْتَسعَدِي يا مَكَّةُ المُكَرَّمَةْ
فَقَد أَتاكِ النُّورْ
واسْتَبْشِرِي، بِخَيْرِهِ، مُنَعَّمَةْ
وَوَدِّعِي الدَّيْجُورْ
?5- يزخر العالم العربي بالأدباء ولكن منتجات أدب الطفل قليلة جدًّا مقارنة بالعالم الغربي الذي فهم ووعى أهمية وأثر القراءة للنشء ما يؤسس ويدعم فيهم مبادئهم وقيمهم بأسلوب يتناسب مع مستوى وعيهم، لماذا هذا القصور في نظرك؟
لستُ مطَّلعًا على ما يُكتبُ للطفل عند الغرب، ولكن على الأقلّ لديّ اطلاع واسع على ما أنتج للطفل في العالم العربي من شعر وأناشيد وقصص وحكايات ومسرح وبرامج تلفزيونية، فهناك كمٌّ هائل من المطبوع بغضِّ النظر عن نوعيّة ما يطبع، والوطن العربي يزخر بتجارب كبيرة في الكتابة للطفل، بل ينافس الكتابة للكبار، ما ينقصنا هو الاهتمام بهذا الأدب المكتوب وتقديمه على شكل برامج تلفزيونية للأطفال، فبدلًا من ترجمة أعمال أجنبية وعرضها، لماذا لا يتمُّ التوجّه إلى إنتاجنا العربي المهمل في رفوف المكتبات؟!
فبالرغم من وجود قنوات كثيرة متخصِّصة للأطفال، وتفرُّد القليل منها بمادّة ذات منهج تربوي إمتاعي، إلَّا أنَّها تشتغل في كثيرٍ ممَّا تقدِّمه على الأعمال المترجمة أو المادة السَّريعة الجاهزة، لا يوجد لدى قنواتنا توجّهٌ جادٌّ، واشتغالٌ واسع في تبنِّي مجموعة من المؤلَّفات العربية المهمّة كمؤلفات زكريا تامر، وسليمان العيسى، وحسن عبدالله، وجودت فخر الدين، حديثًا على سبيل المثال، وهناك جهود على أرض الواقع في الإنتاج فمثلًا اتحاد الكتاب العرب بدمشق الذي خصص الكثير من الإصدارات في أدب الطفل، وكذلك جائزة الشارقة للإبداع العربي التي اعتنت في مجالٍ من مجالاتها الذي خصَّصته للطفل بالتشجيع والطباعة، وكذلك جائزة قطر لأدب الطفل.
أغلب قنوات الأطفال مع الأسف تهتم بالمردود المادي على حساب المضمون، إضافة إلى حالة الوعي القاصرة والكسل السائد، فيمن يشتغل في هذه القنوات، وإلا لماذا لا يكون توجُّه من هذه القنوات للجهات التي أصدرت في أدب الطفل، وللمؤلفين المهتمين بهذا المجال.
?6- كيف يمكن الاستفادة من مثل هذه الأعمال الأدبية المتميزة للطفل على المستويين التربوي والاجتماعي؟
في السؤال السابق كان التركيز حول سبب القصور ومن المسؤول، فكما قلتُ فإن الأعمال الأدبية الموجَّهة للطفل من الممكن الحصول عليها بضغطة زر من خلال (الإنترنت)، لقد أصبح البحث يسيرًا، نعم هناك مشقة في اختيار ما يمكن الاستفادة بشكل مناسب، لذا فالأمر منوط إلى أهل الاختصاص من تربويين واجتماعيين مختصين في هذا الجانب، وهنا يأتي دور المؤسسات التربوية واللجان الاجتماعية في تكوين فريق يشمل التربوي والاجتماعي والأديب والفنان ورجال الأعمال للقيام بهذه المهمّة، وإيصال رسالة هادفة ترتقي بذائقة أبنائنا، وتقدّم لهم زادًا معرفيًّا يبنون عليه مستقبلهم.
?7- كيف للأدباء بدءًا منك أنت، أن يشاركوا في إثراء الساحة بالعديد من منتجات أدب الطفل، وكذلك في تحفيز أفراد المجتمع ومؤسساته على التفاعل وتبني هذه المنتجات وإقرارها في حياة أطفالنا؟
مثل هذه المشاركة لا تأخذ أثرها إلا على نطاق محدود، فالفرد الأديب يؤثّر بحسب الظرف المتاح له إلا أن يتحرَّك هو بنفسه إلى الجهات المعنية لتقديم مشروعه الأدبي، وفي هذا قد يكون فيه (قَطة وجه) وخاصة حينما يُواجَه مشروعه بالإهمال وعدم الاكتراث، أو أن تتحرّك الجهات المعنية بالبحث عن الأفراد الأدباء، ومن ثمَّ تثري الساحة بتبنّيها وإقرارها ضمن برامج تربوية جادة.
?8- هل هناك سمات لأدب الطفل تختلف عن الكتابة للكبار بحكم أنك كتبت للكبار وللصغار؟ وما مدى تأثير موسيقى الشعر والخيال فيه؟
بالطبع لها سمات معروفة في كتب النقد من حيث الشكل والمحتوى، وهذا يتفاوت في مسألة العمق والبساطة من مرحلة عمرية إلى أخرى، بحيث يراعي كل فئة عمرية، ولا يشطح بالأسلوب كثيرًا، أو يعالج موضوعاتٍ كبرى تناسب الكبار.
وهناك بالطبع مساحة للمبدع في أن يجرّب شكلًا جديدًا أو طريقةً جديدةً في تناول الموضوعات، ولذا ليس التسطيح وحدَه ركنًا في الكتابة للطفل، بإمكان طفل اليوم أن يستنتج وأن يكتشف وأن يصطاد الفكرة من وراء السطور كما يقال، وهذا ما أحاول الاشتغال عليه.
أمَّا عن الموسيقى والخيال فالطفل لصيق جدًّا بالإيقاع، ومخيلته واسعة ولا يمكن الاستهانة بها، لذا فالاستفادة من موسيقى الشعر من خلال الأوزان القصيرة والقوافي المتنوعة والإيقاعات المنسابة تلك التي تبعث في داخله الرقص والحركة والمتعة، وكذا الاشتغال على إثارة الخيال وتحريكه لدى الطفل، كل ذلك يؤثِّر في جذب الطِّفل وتنمية حِسِّه، وذائقته الجمالية.
?9- الطرف، هذه البلدة الولادة للمتميزين والمبدعين وأنت شاهد على ذلك، ما الذي تحمله لهذا البلد من مشاعر؟ ما الذي توجهه من هذا المنبر لكل أبنائها من تربوا على يدك ويكنون لك كامل الحب والتقدير ويثنون عليك دائما الخير؟
الحديث عن المكان يستثير فيك عادة ذكريات الطفولة والصبا تلك التي تحفظ الزقاق وبيوت الحي بتفاصيلها، والشوارع والبراحات والملاعب والبساتين والنخيل وكذلك البَرّ الذي يحمل الكثير من المغامرات، ما زلت أحتفظ بحدود الطرف الجغرافية في تلك المرحلة وأسماء أحيائها، أسمع عندما وعيتُ شاعرًا شعبيًّا مهمَّا اسمه علي الزعبي (الشملان) وهو من قرابتي وقد كنَّا نتحلَّق حوله ونحن صغار، سمعتُ عن سيَّالة وما أظهرته من أصوات وشعراء في العرضة، وكنت مبهورًا بأدائهم الجماعي ومأخوذًا بالطبل والطار والتناسق العجيب، سمعتُ عن شاعر عربي سكن هذه البلدة ودرَّس فيها، ثم مات فيها، وهو الأستاذ السوري علي دمّر، وفيما بعد قرأت معظم دواوينه، سمعتُ عن الأستاذ مبارك بوبشيت وقد درسني في المرحلة المتوسطة ولم أعرف أنه شاعر إلا بعد أن غادرت المرحلة المتوسطة، فقرأتُ ديوانه (الحبّ إيمان)، وسمعت عن الأستاذ جاسم المحيبس شاعرًا، ولم أقرأ له إلا مؤخرًا، وعرفت الأستاذ عبدالله المطلق مؤلفًا مثابرًا، ولا أنسى صحبة الأدب والثقافة في ملتقى السهلة الأدبي الأصدقاء: (عبدالوهاب الحسن، وصالح الغانم، وجابر الخلف، وجاسم الحسن، ومصطفى العقيلي، وأحمد الربيح، ويوسف الشريدة، وحسن الرستم، وباقر الرستم …) وليعذرني ممن لم أذكر اسمه.
أمَّا بالنسبة للطلاب الذين مرُّوا، وحملوا شيئًا من الذكرى معي، فأقول لهم أنتم الآن لستم بالأمس فكونوا بحجم المرحلة التي أنتم فيها ولا يقف بكم الطموح إلى الوظيفة فقط.
?10- كلمة أخيرة توجهها للشباب خاصة للمهتمين بالأدب ومجالاته؟
القراءَة أولًا وعاشرًا، والاحتكاك بالأدباء على أرض الواقع وفهمهم والاستفادة منهم، فإنَّ الاشتغال على الأدب ليس بالأمر السهل، فهو يتطلّب مواصلة وجديّة، ومن نزل ميدان الأدب، فإمّا أن يواصل أو يخرج من الميدان، فلن يثمر ثمرة جيدة إذا زاحم الأدبَ بانشغالات أخرى غير الأدب.