مقال – الكاتب والمؤرخ عبدالله بن حمد المطلق
تَحْتَفِلُ المَمْلَكَةُ العَرَبِيَّةُ السَّعُودِيَّةُ بِيَوْمِهَا الوَطَنِيِّ المُجِيدِ فِي اليَوْمَ الأَوَّلُ مِنْ المِيزَانِ المُوَافِقُ الثَّالِثِ وَالعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ سِبْتَمْبَرَ مِنْ كُلِّ عَامٍ, وَذَلِكَ فِي ذِكْرَى تَوْحِيدِ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةُ السَّعُودِيَّةُ وَتَأْسِيسُهَا, فَفِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ سَجَّلَ التَّارِيخَ مُوَلِّدَ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةُ السَّعُودِيَّةُ, دَوْلَةُ العِزِّ وَالمَجْدِبَعْدَ مَلْحَمَةِ البُطُولَةِ الَّتِي قَادَهَا المُؤَسِّسُ المَلَكُ عَبْدالعَزِيز بِنْ عَبْدُالرَحْمَن آلُ سَعُودَ طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ. إِنَّ الهَدَفَ مِنْ الاِحْتِفَاءِ بِاليَوْمِ الوَطَنِيِّ لِلمَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السَّعُودِيَّةِ (88) الثَّامِنِ وَالثَّمَانِينَ, هُوَ تَعْزِيزٌ قَيِّمٌ الاِنْتِمَاءِ وَالوَلَاءِ لِلدِّينِ ثُمَّ المليك وَالوَطَنُ, لَدَى مُجْتَمَعِ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةُ السَّعُودِيَّةُ, وَتَرْسِيخٌ مُنْطَلِقَاتٍ رُؤْيَةَ المَمْلَكَةِ (2030). نَعَمْ نَحْنُ فِي وَطَنِ العَطَاءِ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةُ السَّعُودِيَّةُ, قَلَّبَ العَالَمُ العَرَبِيُّ وَالإِسْلَامِيُّ, بَلْ قَلَّبَ العَالَمُ, حَيْثُ مِنْهَا اِنْطَلَقَتْ رِسَالَةُ الإِسْلَامِ, تَنْشُرُ الإِسْلَامَ وَالسَّلَامَ, لِيَعُمَّ الأَمْنَ وَالأَمَانَ عَلَى هَذَا الوَطَنِ الغَالِي, وَسَائِرَ أَوْطَانَ العَالَمِ الإسلامي والعالم. وَبِمُنَاسَبَةِ الاِحْتِفَاءِ بِاليَوْمِ الوَطَنِيِّ لِلمَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السَّعُودِيَّةِ (88) أَرْفَعُ اِسْمِي آَيَات التَّهَانِي وَالتَّبْرِيكَاتِ لِمَقَامِ خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ المَلَكِ سَلْمَانَ بِنْ عَبْدالعَزِيز آلُ سَعُودَ حَفِظَهُ الله وَإِلَى وَلِيِّ عَهْدِهِ الأَمِينِ صَاحِبِ السُّمُوِّ المَلَكِيِّ الأَمِيرِ مُحَمَّدٌ بِنْ سَلْمَانُ بِنْ عَبْدالعَزِيز آلُ سَعُودَ حَفِظَهُ الله صَاحِبِ الرُّؤْيَةِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ لِلمَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السَّعُودِيَّةِ (2030), وَإِلَى الأُسْرَةِ المَالِكَةُ وَالشَّعْبِ السَّعُودِيُّ الوَفِيُّ كَافَّةٌ.
وَعِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ الوَطَنِ لِأَبَدٍ أَنْ نُشِيدَ بِحُكُومَتِنَا الرَّشِيدَةِ, فَمُنْذُ إِنْشَائِهَا حَرَصْتُ عَلَى نَشْرِ العِلْمِ وَتَعْلِيمِ أَبْنَاءِ الأُمَّةِ وَالاِهْتِمَامِ بِالعُلُومِ وَالآدَابِ وَالثَّقَافَةِ, وَعِنَايَتُهَا بِتَشْجِيعِ البَحْثِ العِلْمِيُّ, وَصِيَانَةُ التُّرَاثِ الإِسْلَامِيِّ وَالعَرَبِيِّ, وَإِسْهَامُهَا فِي الحَضَارَةِ العَرَبِيَّةُ وَالإِسْلَامِيَّةُ وَالإِنْسَانِيَّةُ, وَشَيَّدَتْ لِذَلِكَ المَدَارِسُ وَالمَعَاهِدُ وَالجَامِعَاتُ وَدَوْرُ العِلْمِ. وَمَا تُقَدِّمُهُ المَمْلَكَةُ العَرَبِيَّةُ السَّعُودِيَّةُ لِلأُمَّةِ العَرَبِيَّةِ وَالإِسْلَامِيَّةِ مِنْ خِدْمَاتٍ عَظِيمَةً, فَهِيَ مَهْبَطُ الوَحْيِ, وَمُنْطَلِقَ الرِّسَالَةَ وَقُبْلَةَ المُسْلِمِينَ, حَيْثُ أَوْلَتْ مُنْذُ نَشْأَتِهَا الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ اِهْتِمَامَهَا, وَعِنَايَتُهَا فَعَمَّرَتْ مَسَاجِدُ اللهِ في أنحاء الأَرْضَ مُبْتَدِئَةٌ بِالحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ, الَّذَيْنِ شَهِدَا فِي عَهْدِ الدَّوْلَةِ السَّعُودِيَّةَأَعْظَمُ تَوْسِعَةً لَهَا عَبْرَ كُلِّ العُصُورِ, فَأَصْبَحَ الحَجُّ إِلَيْهَا فِي غَايَةٍ اليُسَرَ, وَأَصْبَحَ الحَرَمَانِ الشَّرِيفَانِ مفخرة لِكُلِّ المُسْلِمِينَ, كَمَا جَعَلَتْ رَاحَةَ الحِجَاجِ بَيْتَ اللهِ وَزُوَّارَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغْلُهَا الشَّاغِلُ, بِحِرْصِهَا عَلَى تَوْفِيرِ كُلٌّ سُبُلِ الرَّاحَةِ لِهُمْ, وَسَخَّرْتَ لِخِدْمَتِهِمْ كُلُّ إِمْكَانِيَّاتِ هَذِهِ البِلَادِ فِي تَفَانٍ شَهِدَ بِهِ القَاصِي وَالدَانِي, ثُمَّ شِرْعَتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طِبَاعَةِ كِتَابِ اللهِ لِتُوَزِّعَ مِنْهُ عَشَرَاتِ المَلْأَيَيْنِ مِنْ النَّسْخِ, وَبِمُخْتَلِفِ اللُّغَاتِ, لِيَكُونَ فِي مُتَنَاوَلِ كُلٍّ مُسْلِمًا, مَهْمَا كَانَتْ لُغَتُهِ وَمَكَانُهِ إِنْ مَا ذَكَّرَتْهُ آنفاً من مَآثِرُ خَالِدَةَ, مَا هِيَ إِلَّا لَمْحَاتِ وقبسات مُضِيئَةٌ مِنْ مَسِيرَةِ هَذَا الكِيَانِ الشَّامِخِ. فَنَشْكُرُ اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ, وَنَشْكُرُ حُكُومَتَنَا الرَّشِيدَةَ الَّتِي وُصِلَتْ بِبِلَادِنَا مِنْ تَقَدُّمٍ حَضَارِيٌّ فِي كَافَّةِ المَجَالَاتِ العِلْمِيَّةَ وَالثَّقَافِيَّةَ وَالصِّنَاعِيَّةَ وَالاِقْتِصَادِيَّةَ, وَهَذَا التَّقَدُّمُ الَّذِي وَصَلْنَا إِلَيْهُ يَجْعَلُنَا فَخُورَيْنِ بِهَذَا الوَطَنِ, الَّذِي أَصْبَحَ أَحَدَ أَعْمِدَةِ العَالَمِ العِشْرُونَ, عِنْدَمَا تَكَاتَفَتْ أَيَادِي الأَجْدَادِ وَتَوَحَّدَتْ كَلَّمْتُهُمْعَلَى يَدِ المَلَكِ عَبْدالعَزِيز طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ, لِتَحْمَى مُسْتَقْبِلَ أَجْيَالَهَا القَادِمَةَ, وَلِذَلِكَ نَحْنُ فِي هَذَا الجِيلِ مَنُوطٌ بِنَا أَمَانَةٌ, أَلَا وَهِيَ غَرَسَ حُبَّ الوَطَنِ فِي قُلُوبِ أَطْفَالِنَا, لِأَنَّ حُبَّهُ أَمَانٌ لِلمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ اللهِ, وَحَصَانَةٌ لِوَحْدَتِهِ, وَعَلَيْنَا أَيْضًا أَنْ نَغْرِسَ فِيهِمْ فَرَّحَتْهُ وَبَهْجَتُهِ, وَأَنْ نُشَارِكَهُمْ مَشَاعِرَ الفَرِحِ فِي هَذَا اليَوْمَ.
وبِصِفَتِي كَأَدِيبٍ مِنْ أُدَبَاءِ المَمْلَكَةِ, مِنْ حَقِّي أَنْ أُعَبِّرَ عَنْ مَشَاعِرِي فِي هَذَا اليَوْمَ, وَمِنْ أَهَمَّ مَا يُمَيِّزُ الأَدَبَ الوَطَنِيَّ هُوَ جَمَالُ عِبَارَاتِهِ الصَّادِقَةِ وَالمُسْتَوْحَاةِ مِنْ النَّفْسِ وَالشَّخْصِيَّةِ الَّتِي اِحْتَكَّتْ وَعَاشَتْ فِي وَطَنِهَا أَجْمَلَ سَنَوَاتِ العُمْرِ, لِذَا كُلَّمَا كَانَ الشَّاعِرَ وَالأَدِيبَ كَبِيرًا فِي العُمْرِ وَالتَّجْرِبَةِ الأَدَبِيَّةُ, كَانَ لِتَجْرِبَتِهِ الشِّعْرِيَّةِ والنثرية فِي الوَطَنِ الأَثَرُ الأَكْبَرُ فَالوَطَنُ لُغَةُ الخُلُودِ وَالحُلْمِ.
وَإِنَّ الحَدِيثَ عَنْ الوَطَنِ فِي عُيُونِ الشُّعَرَاءِ وَالأُدَبَاءِ بِمُخْتَلِفِ أَعْمَارُهُمْ يَشْبَهُ الحَدِيثَ عَنْ الحَيَاةِ, لنه مِنْ الصَّعْبِ تَحْدِيدُهُ, نظراُ لإتساع مَفْهُومُهُ وَأَهَمِّيَّةُ مَعْرِفَتِهِ وَالوَطَنُ هُوَ المَكَانُ الأَوَّلُ الَّذِي يَرَاهُ الإِنْسَانُ حِينَ الوِلَادَةُ, وَأَوَّلُ مَكَانِ تَنَفُّسٍ مِنْ هَوَائِهِ, وَلَعِبَ فِيهُ وَرَأَتْ عَيْنَاهُ فِيهُ السُّهُولَ وَالجِبَالَ وَالرَّبِيعَ وَالأَشْجَارَ, وَزَرَعَتْ تَضَارِيسَهُ فِي قَلْبٍ سَاكِنَةٌ الحُبِّ وَالحَنِينِ وَالاِشْتِيَاقِ, فَهُوَ كَآلَامِ الرؤوم الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْ أَطْفَالِهَا وَتَحْتَوِيهُمْ, تُسَابِقُ الشُّعَرَاءَ وَالأُدَبَاءَ قَدِيمًا وَحديثاً فِي إبداء حِبّهُمْ وَحَنَّيْنَهُمْ إِلَى أَوْطَانِهِمْ, فَتُغَنِّي العَدِيدَ مِنْهُمْ فِي حُبِّهِ قصائدا وَأَشْعَارًا.
خِتَامًا بِذِكْرِ الوَطَنِ تَحْلُو الأُغْنِيَّاتُ, وَلَهُ تَتَزَيَّنُ الكَلِمَاتُ, فَالفُخُرُ بِالوَطَنِ يَزِيدُ الإِنْسَانُ رِفْعَةً وَيَرْفَعُ شَأْنَهُ, لِأَنَّ الإنتماء يعني الوَفَاءُ وَالإِخْلَاصُ, وَمَنْ لَا يَخْلُصُ لِوَطَنِهِ, فَلَنْ يَخْلُصَ لِأَيِّ شَيْءٍ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ خَيْرَهُ لِوَطَنِهِ فَلَا خَيَّرَ فِيهُ فَلَا شَيْءَ يُعَدِّلُ الوَطَنُ فَطُوبَى لِكُلِّ مُخَلِّصٍ, وَطُوبَى لِكُلِّ العُيُونِ الساهرة عَلَى الحُدُودِ لِتَحْرُسَ الوَطَنَ, وَطُوبَى لِكُلِّ القَابِضِينَ عَلَى جَمْرِ الحُرِّيَّةِ, لِيُرَفِّعُوا الرَّايَاتِ الخَضْرَاءَ وَالبُنْيَانَ, وَيُحَلِّقُونَ فِي سَمَاءِ الوَطَنِ, آَمِنَيْنِ وَمُطْمَئِنِّينَ, وَعُيُونُهُمْ تُقِرُّ بِالنَّصْرِ وَالرِّفْعَةِ وَالكَرَامَةِ, وَلِيُحْيَا الوَطَنَ وَلِتُحْيَا المَمْلَكَةُ العَرَبِيَّةُ السَّعُودِيَّةُ