أخبار عاجلة
الرئيسية > أخبار السعودية > عندما تتحوّل العلاقات الإنسانية إلى مجرد “جهة اتصال”

عندما تتحوّل العلاقات الإنسانية إلى مجرد “جهة اتصال”

صحيفة همّة نيوز – بقلم: عبد الله سعد بورسيس ..

في زمنٍ تُسيطر فيه شاشات الهواتف الذكية على تفاصيل يومنا، وتُذيب فيه تقنيات التواصل الاجتماعي المسافات بضغطة زر، يواجه الإنسان معضلة معاصرة: تراجع العلاقات الإنسانية من كونها روابط حيّة ودافئة، إلى مجرد اسم ورقم محفوظ في قائمة جهات الاتصال.

هذا التحوّل، الذي يبدو عابرًا للوهلة الأولى، يعكس في عمقه أزمةً حقيقية في فهمنا للتواصل البشري.

فبدلًا من أن تكون العلاقة مساحة تُغذّيها اللقاءات العفوية والمشاعر الصادقة والحوار المباشر، أصبحت تُختزل في بيانات جامدة:
صورة شخصية، رقم هاتف، وربما رسالة نصّية سريعة.

ثمن السرعة وسهولة الوصول..

يُحذّر الخبراء النفسيون والاجتماعيون من أن هذا الانزلاق الرقمي لا يمرّ دون آثار. تقول الدكتورة ليلى السعدون، أخصائية علم الاجتماع:
“سهولة الوصول إلى الآخرين لا تعني بالضرورة جودة العلاقة معهم. نحن اليوم قادرون على مراسلة مئات الأشخاص في لحظة واحدة، لكننا نشعر بعزلة أكبر، لأن ما نفتقده هو العمق الإنساني الحقيقي.”

لقد أصبح التواصل في عصرنا أقرب إلى الاستهلاك السريع: رسائل تهنئة جاهزة بدلًا من مكالمة صادقة، محادثات كتابية تتيح لنا إخفاء مشاعرنا خلف شاشات مضيئة، وتجنّب المواجهة التي كانت يومًا ما تُنضج العلاقات وتُقوّيها.

صداقات سطحية وروابط أسرية هشة:

لا تقف تداعيات الظاهرة عند حدود الأفراد، بل تطال طبيعة العلاقات نفسها. فقد تحوّلت الصداقة إلى تفاعل شكلي عبر “إعجابات” وتعليقات على منشورات، وفقدت الأسرة تلك اللقاءات الحميمة التي كانت تبني جسورًا من الود والتفاهم، لتحلّ محلها “محادثات جماعية” باردة في تطبيقات المراسلة.

الأخطر من ذلك أن الأجيال الجديدة تنشأ على هذا النمط من التواصل، معتقدة أن العلاقة لا تتجاوز تبادل معلومات سريعة.

وهو ما يُضعف مهاراتهم في الحوار، والتعاطف، وبناء الثقة، وكلها عناصر جوهرية لأي علاقة إنسانية متينة.

  • عودة إلى الأصالة:

الحل – كما يجمع الخبراء – ليس في رفض التكنولوجيا، بل في توظيفها بوعيٍ واتزان.

وتؤكد الدكتورة السعدون:
“علينا أن نُعيد للعلاقات الإنسانية مكانتها، وأن نتذكّر أن قيمتها لا تُقاس بعدد الأسماء في قائمة جهات الاتصال، بل بصدق المشاعر وعمق الثقة المتبادلة.”

إن التحدي الحقيقي اليوم هو استعادة التوازن: أن نفهم أن “جهة اتصال” لا يمكن أن تعوّض عن محادثة صادقة، أو عناق دافئ، أو جلسة ودّ تجمع القلوب. فالعلاقات الإنسانية ليست بيانات نُخزّنها في هواتفنا، بل هي جوهر وجودنا ومعنى حياتنا.

عبدالله بورسيس

عن عبدالله بورسيس

شاهد أيضاً

جمعية فتاة الأحساء تستضيف محاضرة توعوية عن سرطان الثدي بالتعاون مع جمعية تفاؤل…

Share this on WhatsApp صحيفة همة نيوز عبدالله ناصر العيد ضمن مشاركتها في الشهر العالمي ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com