أخبار عاجلة
الرئيسية > أخبار السعودية > سياله .. ونبض الذاكرة .. ج / ١ ..

سياله .. ونبض الذاكرة .. ج / ١ ..

صحيفة همة نيوز : بقلم أ. عبدالله بن حمد المطلق ..

في قلب الطرف، المدينة الأحسائية العريقة، تتربع حارة الطرف القديمة كتحفة معمارية تراثية، تنبض بجمال الماضي وروح المكان ، ما زالت تلك الأزقة والسكك الضيقة تسرد حكايات الزمان، حين كان الإنسان يمر بخفة، أو تمر عربة “القاري” التي يجرها الحمار، فتملأ الطرقات بأصواتها البسيطة، المتناغمة مع الحياة اليومية لأهالي الحي أو ما يطلق عليها أحيانا حي الديرة القديم .

سككها تتعرج حينًا وتستقيم حينًا آخر، لا تعرف الطول المفرط، ولكنها تعرف الدفء والحميمية تحتضنها مبانٍ شامخة أحيانًا، ومنخفضة أحيانًا، شُيّدت إما من الطين المحلي أو من الجص الطرفاوي الأحسائي المعروف بصلابته ومتانته، وكأنها خُلقت لتبقى وتروي للأجيال قصصًا لا تنتهي !!

في مواسم المطر، لا تعود الرائحة فقط لرائحة الأرض، بل لشيءٍ أعمق.. حيث يفوح عبيرٌ يشبه الخزامى من جدران الطين التي نبتت فيها نباتات صغيرة في شقوقها، تحتها، أو في وسطها، فتملأ المكان بجمال طبيعي لا يُشترى ..

وأحيانا نمشي تحت الجدران حتى نتفادى هدير المرازيم في أوقات المطر كي لاتبلل ملابسنا .

وحين تسنح لي الفرصة، لا أتردد بالذهاب إلى ديرتي القديمة، أتمشى في أزقتها، وأستنشق ماضيها، وأستعيد أيام الطفولة والألعاب الشعبية في البراحات التي شكّلت جزءًا من ذاكرتنا الجميلة مثل :

• براحة سيّالة.
• براحة الوصيلي.
• براحة الخيل أو العسكر كما يسميها الآباء.
• براحة الجوهر.
• براحة المهنا.
• براحة الشعيبي .

  • براحة الشرقية .
  • براحة الشعران .

تلك البراحات، التي كانت ترابية ممتلئة بالحياة واللعب، تحولت اليوم إلى سكك مبلّطة بالأنترلوك أو مغطاة بالإسفلت، لكنها لا تزال تحتفظ بندبة الزمن الجميل.

-البيوت الطينية… أطلال تُقاوم الزمن والحرارة :

كانت تقف في صمت، بيوتٌ من طين، مشيّدة بأيدي الأجداد، تنبض بروح المكان، تنسج ذاكرةً لا تمحى جدرانها سميكة، تحتضن برودة الأرض، وتحتمي من شمسٍ لا ترحم، وتُقاوم لهيب الصيف القاسي بصبرٍ فطري، دون حاجةٍ لضجيج الأجهزة أو هدير المكيفات.

لكن هذه البيوت بدأت تتوارى !! واحدًا تلو الآخر، تنحني أمام زحف الإسمنت الخرساني، تتلاشى خلف كتلٍ رمادية باردة، غريبة عن البيئة، لا تعرف لغة التراب ولا تذوق رطوبة النخيل بعضها أُزيل كأن لم يكن !!

وبعضها ما زال يتشبث بالبقاء، يُقاوم الغياب، ويتحدى صخب العصر الحديث.

تحت لهيب الشمس، وفي وجه هدير المكيفات، تحكي هذه البيوت قصةَ انسحابٍ بطيءٍ لحضارةٍ كانت تنسجم مع الطبيعة، وتتناغم مع نبض الأرض ، لم تكن تلك البيوت مجرد مأوى، بل كانت كائنات حيّة، تتنفس مع الفجر وتنام مع المغيب.

إنها لا تزال هناك، في الزوايا المنسية في حي الطرف القديم ، شاهدةً على زمنٍ كان الطين فيه أكثر رحمة من الإسمنت، وأكثر دفئًا من الحديد.

براحة سيّالة.. عنوان للكرم وأيقونة للضيافة في الطرف ..

ومع مجالستنا لكثير ممن نلتقيهم في الأحساء يرحبون بنا ياهلا بأ هل سياله ..

لكن أحدهم قال لي : لماذا عرفت الطرف بأهل سياله ؟

فأوضحت له أن سياله :

مكان فسيح عبارة عن براحة كبيرة وبها مقر أمير الطرف وجامع الطرف ، وهذه البراحة واسعة تقام فيها أفراح المناسبات مثل الزواج ، وأفراح العيدين ولها مداخل أربع في زوايا الأربع ،

فكانت الناس يتوافدون عليها من مداخلها الأربعة فهي بمثابة نقطة تجمع للناس وبمثابة سيل ،

كذلك ان الأمير اذا قدم ضيوفه كان يكرمهم في هذا المكان اذا كان العدد كبيرا ، حيث توضع صحائف كبيرة مثل :

اللقن يملأ بالأرز واللحم فيأكل الناس منه من ضيوف وغيرهم ، فهي تعني الكرم والسخاء الذي يتميز به أهل الطرف من جود وكرم .

وعُرف أهالي مدينة الطرف، منذ القدم، بالجود والكرم، فكانوا وما زالوا مضربًا للمثل في حسن الضيافة، واستقبال الضيوف، وتقديم كل ما يليق بمقام الزائر.

ومن أبرز الرموز التي تجسّد هذه القيم الأصيلة، “براحة سيّالة”، وهي ساحة مشهورة ارتبط اسمها في ذاكرة الناس بمكان التقاء الضيوف وأهالي البلدة هناك، حيث تتصافح القلوب قبل الأيدي، كان الكرم يُمارَس لا قولًا فحسب، بل فعلًا صادقًا، يتمثل في صفائح مملوءة بالأرز واللحم تُقدَّم بسخاء لكل من وفد إلى المكان.

ولأن اللقاء في هذه البراحة كان لا ينقطع، وشهد توافد الناس من كل حدب وصوب، شُبّه هذا التوافد الغامر بسيل المطر، حتى أصبحت براحة سيّالة مرادفًا للفيض، والكرم، والتآلف.

ولعل ما يعزز هذه الصورة الرمزية، أن براحة سيّالة لها أربعة مداخل في زواياها الأربع، في دلالة على انفتاحها واستعدادها لاستقبال الزائرين من كل الجهات، وكأنها تقول:

“أهلًا بكل من قصدنا، الدار داركم والمكان مكانكم.”

وهكذا، بقيت براحة سيّالة شاهدة على كرم أمير الطرف وأهاليها الكرام، ومكانًا محفورًا في وجدان المجتمع المحلي، تُروى حكاياته بكل فخر في مجالس الكبار، وتُغرس معانيه في نفوس الأجيال.

وكلما مررتُ بحاراتها القديمة، شعرت بشعورٍ غريبٍ يتسلل إلى قلبي، كأن قلبي يخفق باسمها، ولساني يهمس بكل فخر وتهزني مشاعر النخوة فأقول كما قال الشاعر محمد بن عبدالله المطر وهو من شعراء مدينة الطرف المعروفين حين قال :

ديرتي الطرف وصيتها عـــالي
اهتنت وانورت والعز كاسيها
ياهل الطايلة ذربين الأفعــــــــــال
لاد سياله ذروة معانيــــــــــــــــها
يوم لفانا المؤسس بيرقه عـــــالي
وانضوينا حضر له مع بواديــــها
بالمجصة تاريخ العز منـــــــزالي
يوم سكنها بوتركي عاد ماضيها
يا سلامي عليها أول وتــــــــالي
ثابت مجدها عرب مبــــــــاديها

….

عبدالله بورسيس

عن عبدالله بورسيس

شاهد أيضاً

مسرحيو الأحساء يحتفلون بمسرحية طوق في مقر الجمعية بعد تمثيلهم المشرف الاول للمسرح السعودي…

Share this on WhatsApp صحيفة همة نيوزعبدالله ناصرالعيد في ليلة من ليالي الف للية وليلة ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com