
صحيفة همة نيوز : بقلم أ. ماجد إبراهيم الغنيم ..
كم مرة شعرنا بخيبة الأمل !
أو بوجع الانكسار، !
عندما وضعنا آمالاً كبيرة في أحدهم ليُنجز لنا ما يبدو مستحيلاً، ثم اكتشفنا أنه لم يبذل حتى أدنى جهد في الأمور الممكنة؟
هذه المقولة، “من لا يعمل الممكن لك لن يعمل المستحيل لأجلك”، ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي همسة في أذن القلب، تذكير بأن جوهر العلاقات الإنسانية يبدأ من حيث تنتهي الكلمات وتبدأ الأفعال الصادقة.
عندما تبهت ألوان الوعود
في زحمة الحياة، نلتقي بأشخاص كُثر.
البعض يُقدم لنا الوعود البراقة، يرسم لنا أحلامًا وردية عن حلول سحرية، وعن معجزات تنتظرنا على أيديهم. وقلوبنا، بطبيعتها التي تميل إلى الأمل، تُصدق.
نتعلّق بخيط رفيع من التوقعات، منتظرين أن يمدوا لنا يد العون في أصعب الظروف، في تلك اللحظات التي نشعر فيها أن العالم كله يتآمر علينا.
ولكن، عندما نعود إلى الواقع، نجد أن الوعود تبهت، والأحلام تتلاشى !
نلاحظ أن هذا الشخص نفسه، أو هذه الجهة التي علّقنا عليها آمالنا، لم تكن حريصة حتى على إنجاز أبسط الأمور الممكنة !
لم تكن هناك تلك اللمسة اليومية، تلك المبادرة الصغيرة، تلك الكلمة الطيبة في وقتها. .
لم تكن هناك تلك اليد التي تُشد في موقف بسيط، أو ذلك الجهد الذي يُبذل لتيسير أمر يسير. هنا،
يضرب القلب بتساؤل موجع: كيف لمن لا يرى الممكن ويُتقنه، أن يلمس المستحيل ويُغيره؟
البذور الصغيرة تصنع الغابات
هذه المقولة تعلمنا درسًا إنسانيًا عميقًا:
أن العلاقات الحقيقية تُبنى على أساس الثقة المتراكمة من الأفعال الصغيرة كالبذور التي تُزرع يوميًا لتُثمر شجرة باسقة، هكذا هي أفعال الممكن.
الصديق الذي يتذكر تفاصيل يومك، الزميل الذي يمد يد العون في مهمة بسيطة،
القريب الذي يسأل عن حالك بصدق، كل هؤلاء هم من يبنون جسورًا من الألفة والمودة.
عندما نرى هذا الجهد الصادق في الأمور الممكنة، يتولد في قلوبنا شعور عميق بالاطمئنان.
نعلم حينها أن هذه العلاقة حقيقية، وأن هذا الشخص جدير بالثقة.
وعندما يأتي وقت الشدة، وتُصبح الأمور شبه مستحيلة، نجد أن هؤلاء هم من يقفون إلى جانبنا.
ليس لأنهم قادرون على تحقيق المعجزات بلمسة زر، بل لأنهم أثبتوا أنهم يمتلكون الإرادة، والإخلاص،
والقلب الذي يهتم هم من يمدون لنا يد العون بكل ما أوتوا من قوة، لأنهم اعتادوا على العطاء في الممكن، فهم مستعدون لبذل كل ما هو فوق الممكن لأجل من يثقون به.
دعوة للحب والعطاء الحقيقي
دعونا نُعيد النظر في طريقة تعاملنا مع بعضنا البعض. لنتعلم أن نكون نحن من يعمل الممكن للآخرين بصدق وإخلاص. لنتذكر أن ابتسامة في وجه عابس، كلمة تشجيع، مساعدة بسيطة، أو حتى مجرد الاستماع بإنصات، كل هذه “ممكنات” صغيرة تُشكل أساسًا متينًا لعلاقات قوية.
إن هذه المقولة ليست دعوة للتشاؤم أو للانسحاب من الحياة، بل هي دعوة للوعي، وللحب الصادق، وللعطاء الذي يبدأ من القلب.
هي دعوة لأن نُدرك أن الإنسانية تتجلى في التفاصيل الصغيرة، في تلك الأفعال اليومية التي تُبنى عليها الثقة، وتُزرع بها بذور الأمل، وتُصبح بها معالم المستحيل أقرب ما تكون إلى التحقيق.
فهل نحن مستعدون لأن نبدأ ببناء هذه الجسور من “الممكن” لنجعل “المستحيل” حقيقة نعيشها معًا؟