أخبار عاجلة
الرئيسية > أخبار السعودية > المسحراتي في رمضان: تقليد عريق يضيء ليالي الشهر الفضيل ..

المسحراتي في رمضان: تقليد عريق يضيء ليالي الشهر الفضيل ..

صحيفة همة نيوز : حنان الجويسم ..

يُعَدُّ شهر رمضان من الأشهر المباركة التي تحمل في طياتها الكثير من العادات والتقاليد المميزة في العالم الإسلامي. ومن بين هذه العادات التي ظلت جزءًا من التراث الشعبي، تأتي مهنة المسحراتي، (بوطبيله )قديما الذي يجوب الشوارع والأزقة ليلًا، مناديًا على الناس لإيقاظهم لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر.

هذه العادة، التي تعود إلى قرون طويلة، لا تزال حاضرة في كثير من الدول العربية والإسلامية، على الرغم من التطورات الحديثة ووسائل التنبيه المختلفة.

أصل وتاريخ المسحراتي:

ترجع أصول مهنة المسحراتي إلى العصر الإسلامي المبكر، حيث كان المسلمون يعتمدون على طرق بسيطة لتنبيههم لموعد السحور قبل اختراع الساعات والمنبهات الحديثة. وتذكر بعض المصادر أن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان أول من نادى في الشوارع ليوقظ الناس للسحور. لكن الشكل الذي نعرفه اليوم للمسحراتي بدأ يتبلور في العصر العباسي والفاطمي، حيث كان يتم تعيين أشخاص خصيصًا لهذه المهمة.

وفي العصر الفاطمي، يُقال إن الحاكم بأمر الله كان يأمر جنوده بالطواف في شوارع القاهرة ليوقظوا الناس للسحور، ومن هنا أصبحت هذه العادة أكثر تنظيمًا، وبدأ يظهر المسحراتي بشكله التقليدي، مرتديًا جلبابه ويحمل طبلة أو دفًا، ويصدح بصوته في أزقة المدن والقرى.

أدوات المسحراتي وأسلوبه في الإيقاظ
على مدار العصور، استخدم المسحراتي وسائل مختلفة لتنبيه الناس، ومن أبرز الأدوات التي يستخدمها:

الطبل (الطبلة أو الدفّ): وهي الأداة الأكثر شهرة، حيث يقوم المسحراتي بضرب الطبل بإيقاع مميز أثناء سيره في الشوارع، مما يوقظ النائمين بلطف.
النداء بالاسم: في بعض القرى والأحياء القديمة، كان المسحراتي يعرف سكان الحي بالاسم، فينادي عليهم مباشرة، مثل: “اصحَ يا فلان للسحور”، مما يجعل العلاقة بينه وبين الناس أكثر حميمية.

الأناشيد الدينية والمدائح النبوية: في بعض الأماكن، كان المسحراتي يضيف لمسته الخاصة عبر ترديد الأدعية والأناشيد الدينية أثناء تجواله، مثل:

• “يا نايم وحد الدايم”
• “اصحى يا غافي، وحِّد الله”
• “رمضان كريم، اصحى للسحور”
المسحراتي في مختلف الدول الإسلامية

رغم انتشار وسائل التنبيه الحديثة، لا تزال مهنة المسحراتي موجودة في بعض البلدان، وإن كان بأشكال مختلفة تتماشى مع طبيعة كل منطقة.

مصر:
•يعد المسحراتي شخصية رمضانية محبوبة، ويتجول في الأحياء حاملًا طبلته وينشد الأناشيد الرمضانية.
• السعودية والخليج: يستخدم المسحراتي في بعض المناطق المزمار والطبل، وكان قديمًا يرتدي ملابس شعبية مميزة.
• بلاد الشام: يعرف المسحراتي هناك بندائه المميز، وأحيانًا يصطحب أطفال الحي الذين يسيرون معه وهم يرددون الأناشيد.
• المغرب العربي: يستخدم المسحراتي هناك البنادير (الدفوف الكبيرة) لتنبيه الناس.
دور المسحراتي في الحياة الاجتماعية
لم يكن دور المسحراتي مقتصرًا فقط على إيقاظ الناس، بل كان عنصرًا مهمًا في الحياة الاجتماعية خلال رمضان، إذ كان يمثل رابطًا بين أفراد الحي، حيث يعرف الجميع بعضهم بعضًا من خلاله. كما أن المسحراتي كان يُدخل البهجة إلى قلوب الأطفال، الذين كانوا ينتظرون مروره بشغف ويجرون خلفه في الشوارع.
وفي بعض المناطق، كان الناس يكافئون المسحراتي في آخر أيام رمضان بإعطائه بعض الهدايا مثل الطعام أو النقود، تعبيرًا عن امتنانهم له.
المسحراتي في العصر الحديث
مع ظهور المنبهات الحديثة والهواتف المحمولة، تراجع دور المسحراتي في العديد من الدول، لكنه لا يزال حاضرًا كجزء من التراث الثقافي. وفي بعض المدن الكبرى، تُنظَّم عروض خاصة للمسحراتي كجزء من الاحتفالات الرمضانية، حيث يُعاد إحياء هذا التقليد عبر الفعاليات الثقافية.
كما أن التكنولوجيا الحديثة جعلت بعض المسحراتية يستخدمون مكبرات الصوت بدلًا من الطبل، وأحيانًا يتم تسجيل أصواتهم وبثها عبر مكبرات المساجد، للحفاظ على هذا التقليد بشكل يتماشى مع العصر.
المسحراتي ليس مجرد مهنة تقليدية، بل هو جزء أصيل من التراث الإسلامي، يعكس روح التكافل الاجتماعي والأجواء الرمضانية الفريدة. وعلى الرغم من تطور الزمن، يظل المسحراتي رمزًا للبساطة والدفء في ليالي رمضان، ويحمل معه عبق الماضي الجميل الذي لا يزال حاضرًا في وجدان الكثيرين.

عبدالله بورسيس

عن عبدالله بورسيس

شاهد أيضاً

علي بن محمد بن عثمان البريك ( بومنذر ) في ذمة الله…

Share this on WhatsApp صحيفة همة نيوز عبدالله ناصر العيد بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدرهانتقل ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com