
صحيفة همة نيوز : بقلم أ. ماجد إبراهيم الغنيم ..
تُعدّ صناعة الفخار من أقدم الحرف اليدوية التي عرفتها البشرية، وتتمتع في الأحساء بتاريخٍ عريقٍ يمتد لآلاف السنين.
لطالما كان الفخار الحساوي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمنطقة، سواءً في استخداماته العملية أو في قيمته الفنية والجمالية.
اليوم، ومع التطور المتسارع الذي يشهده العالم، تواجه هذه المهنة الأصيلة تحديات جمة تهدد بقاءها واستمرارها.
- الفخار في الماضي:
محور الحياة اليومية
في الماضي، كان الفخار يشكل عصب الحياة في الأحساء. اعتمد الناس عليه في شتى جوانب حياتهم، فصُنعت منه أواني الطهي والشرب، وأوعية حفظ الماء والتمور، ومستلزمات الزراعة مثل أوعية الري.
لم يقتصر دوره على الاستخدامات المنزلية فحسب، بل امتد ليشمل صناعة قوالب الطوب وأدوات البناء، ما جعله ركيزة أساسية في بناء الحضارة المحلية.
كانت هذه الصناعة مزدهرة وتوفر فرص عمل للكثيرين، وتوارثت الأسر أسرارها ومهاراتها عبر الأجيال، ما رسّخ مكانتها كحرفة أصيلة ذات قيمة اقتصادية واجتماعية عالية.
- الفخار في الحاضر:
رمزٌ ثقافي وتحديات بقاء
على الرغم من تراجع الاعتماد الكلي على الفخار في الاستخدامات اليومية بفضل ظهور البدائل الصناعية، إلا أنه لا يزال يحتفظ بمكانته كرمز ثقافي وتراثي مهم. الفخار الحساوي اليوم مطلوبٌ كهدايا تذكارية، وقطع فنية تزين المنازل، وكدليل على أصالة المنطقة وتاريخها العريق. ومع ذلك، يواجه العاملون في هذه الصناعة صعوبات بالغة تهدد استمراريتها.
في زيارة حديثة لمصنع دوقة الغراش لصناعة الفخار الحساوي، اتضح جليًا حجم هذه التحديات.
فقد ذكر صاحب المصنع أن الحرفة تواجه خطر الانقراض بسبب وفاة العديد من الحرفيين القدامى، ولم يبقَ في المصنع سوى ثلاثة عمال فقط.
هذا النقص في الأيدي العاملة الماهرة يؤثر بشكل مباشر على الطاقة الإنتاجية للمصنع وجودة المنتجات.
علاوة على ذلك، أشار صاحب المصنع إلى قلة الدعم كعقبة رئيسية.
فمع رغبته الصادقة في إحياء هذه الحرفة وتوريثها للأجيال القادمة، أبدى استعداده الكامل لإقامة ورش تعليمية للأطفال والكبار لتعليمهم أصول صناعة الفخار. إلا أن الافتقار إلى التمويل الكافي يحول دون تحقيق هذه المبادرة الحيوية.
كما يواجه المصنع صعوبات في توفير سبل الشحن المناسبة لنقل المنتجات الفخارية، التي تتطلب عناية خاصة بسبب قابليتها للكسر، ما يحد من قدرته على الوصول إلى أسواق أوسع.
الدور الصحي للفخار:
فوائدٌ قد تُنسى
بعيدًا عن قيمته التراثية والجمالية، يحمل الفخار في طياته فوائد صحية جمة، خاصة عند استخدام الأواني الفخارية الطبيعية غير المطلية بمواد كيميائية.
فمن المعروف أن الأواني الفخارية تساعد في:
- تنقية الماء: تعمل المسام الدقيقة في الفخار على تبريد الماء وتنقيته بشكل طبيعي، ما يجعله أكثر نقاءً وانتعاشًا.
- الحفاظ على العناصر الغذائية:
عند الطهي في الأواني الفخارية، يتم توزيع الحرارة بشكل متساوٍ وببطء، ما يساعد على الاحتفاظ بالفيتامينات والمعادن في الطعام، ويزيد من نكهته.
- تقليل استخدام الزيوت:
بسبب طبيعة الفخار غير اللاصقة، يمكن طهي الطعام بكمية أقل من الزيوت والدهون، ما يجعله خيارًا صحيًا.
- الخصائص القلوية:
يساعد الفخار على موازنة حموضة الطعام، ما يمكن أن يكون مفيدًا للجهاز الهضمي.
وفي ظل هذه التحديات التي تواجه إرثًا ثقافيًا عريقًا، هل ستستمر صناعة الفخار الحساوي في الصمود، أم أنها في طريقها إلى الزوال؟



