التذكير بفضائل شهر رمضان وأحكامه: توجيهٌ نبويٌّ وأساسٌ فقهيّ

صحيفة همة نيوز
عبدالله ناصرالعيد
✍️ بقلم: طارق بن عبدالله الفياض

إن من السنة النبوية والمنهج النبوي القويم أن يُذكّر الناس بأهمية شهر رمضان، حتى وإن كانوا يعلمون ذلك مسبقًا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تذكير الصحابة والاستعداد للشهر الكريم، كما ورد في حديث سلمان الفارسي الطويل في فضل شهر رمضان. ويعزز ذلك قول الله تعالى: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} (الذاريات: 55). إن التذكير المستمر بفضل الشهر وأحكامه أمر مشروع ومطلوب، لأنه يزيد من وعي المؤمنين ويجعلهم على استعداد لاستقبال الشهر بالنية الخالصة والعمل الصالح.

زكاة الفطر: فريضة تتجدد في كل عام

التذكير بزكاة الفطر وطريقة إخراجها من الأمور الأساسية التي ينبغي تناولها في الخطب والمواعظ، لأن الناس بحاجة إلى توضيح الأحكام الشرعية كل عام. ومع وجود مسائل فقهية مستجدة أو خلافات مثل إخراجها طعامًا أو نقدًا، يظل الحديث عنها ضروريًا. وقد جاء في الحديث الشريف: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير…” (متفق عليه). التكرار هنا ليس بلا فائدة، بل هو إرشاد لأداء فريضة عظيمة وإحدى أركان الإسلام.

الصيام والابتعاد عن الحرام: القبول والثواب

أما القول بأن من يصوم في بيت مغتصب أو يفطر بمال منهوب لا صيام ولا زكاة له، فإنه يحتاج إلى ضبط فقهي. فالصيام عبادة مستقلة لا تبطل بسبب أكل الحرام، لكنه يؤثر على قبول العبادة وثوابها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلَّا الجوعُ، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلَّا السَّهَرُ” (رواه ابن ماجه). يفرق العلماء بين “الصحة الفقهية” و“القبول عند الله”، فالصيام صحيح من الناحية الفقهية، لكنه قد لا يُقبل أو ينقص أجره إذا اقترن بالمعاصي.

رد المظالم وحقوق العباد: شرط التوبة النصوح

التوبة تشمل رد الحقوق إلى أصحابها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم” (رواه البخاري). إن هذا الحديث الشريف يؤكد أن رد الحقوق شرط أساسي لتحقيق التوبة الصادقة وقبول الأعمال الصالحة.

الميراث وحقوق النساء: بين الشرع والظلم الاجتماعي

إن منع النساء من الميراث يُعد من الكبائر وظلمًا بيّنًا، ويتنافى مع قول الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} (النساء: 11). ومع ذلك، لا يُقال إن من ارتكب هذا الظلم لا صيام ولا زكاة له، بل يُقال إن ظلمه يُنقص من أجره ويُعرضه لعقوبة في الدنيا والآخرة.

المال الحرام والزكاة: الأحكام الشرعية والضوابط الفقهية

المال الحرام لا تُخرج منه زكاة، بل يجب التخلص منه برده إلى أصحابه إن عُرفوا أو بالتصدق به إن لم يُعرفوا. قال ابن القيم رحمه الله: “الزكاة إنما تجب في المال الطيب، فلا تجب في المال الحرام”. إن الزكاة تطهر المال الحلال، أما المال المأخوذ بغير حق فلا يُزكى، بل يُعاد إلى أهله أو يُتخلص منه بطرق شرعية.

صلة الأرحام وبر الوالدين وحقوق الجار: أخلاق إسلامية راسخة

حث الشرع على صلة الأرحام وبر الوالدين والإحسان إلى الجار في نصوص كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره” (متفق عليه). إن تعزيز هذه القيم يسهم في بناء مجتمع صالح ويعزز الروابط الاجتماعية.

حرمة المال العام والطريق: أمانة دينية واجتماعية

المحافظة على المال العام والطريق من الأمور التي أكد عليها الإسلام، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إماطة الأذى عن الطريق صدقة” (متفق عليه). إن الحفاظ على المصلحة العامة واحترام الممتلكات العامة من جوهر الدين الإسلامي.

المسؤولية الأسرية والتربية: أساس المجتمعات القوية

قال صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” (متفق عليه). مسؤولية الآباء تجاه الأبناء تشمل التربية الصالحة والتوجيه نحو الخير، فهي أمانة يجب أن تُؤدى بصدق وإخلاص.

التوبة من مظالم العباد: شرط القبول عند الله

لا شك أن مظالم العباد تُعد من أشد الذنوب خطرًا، لأن التوبة منها تتطلب مسامحة الخلق قبل الله. إن رد الحقوق إلى أهلها والإقلاع عن الظلم من أهم شروط التوبة النصوح.

ضبط الفتاوى والخطابات الدينية: مسؤولية الجهات المختصة

إن توجيه الخطابات والبيانات الدينية حق حصري للجهات الشرعية المسؤولة، ولا ينبغي الأخذ بخطابات تُتداول دون معرفة مصدرها. فإن في ذلك خطر التعدي على صلاحيات ولي الأمر والتسبب في بلبلة مجتمعية.

وختاما : دعوة للتوازن والاعتدال

إن المقالة تناولت نقاطًا إيجابية كثيرة تتعلق بالإصلاح الاجتماعي والأخلاقي، لكنها بحاجة إلى ضبط فقهي في بعض التعبيرات مثل “لا صيام ولا زكاة له”. فالمعاصي قد تُنقص من أجر العبادات وتُعرّض الشخص للعقوبة، لكنها لا تُبطلها من الناحية الفقهية إلا بشروط معينة. علينا جميعًا أن نلتزم بالمنهج النبوي في التذكير والوعظ، وأن نستمد توجيهاتنا من المصادر الموثوقة والجهات الشرعية المعتمدة.

والله ولي التوفيق.