
صحيفة همة نيوز : بقلم صالح سعد النصر ..
اعتاد الأهالي بالماضي على النوم في فصل الشتاء بالغرف (الليواوين – الحجرات ) لاتقاء شدة برده أما في الاعتدالين الربيعي والخريفي فإنهم ينامون في الحوي أوفي البرستي ( يشبه العريش مشيد من سعف وجريد النخيل والحبال ) ، لكنهم إذا حل فصل الصيف الملتهب بحرارته الشديدة وقد يصاحبها ارتفاع نسبة الرطوبة ففي تلك الظروف والأجواء الخانقة ومع عدم توفر وسائل التكييف الحديثة فالدور تلفظ البشر لذلك يلجأ الأهالي للنوم في السطوح وقيل في الامثال (في أيار نم في سطح الدار ) حيث الهواء النقي والفضاء الرحب وهدوء المكان مع تدفق نسيمات الهواء الباردة والمنعشة والاستمتاع برؤية لوحة السماء الصافية المرصعة بالنجوم المضيئة المتلألئة ، ويكمل جمالها نور القمر خاصة في ليالي الأيام البيض من كل شهر . ومن المعلوم أن النوم في السطوح له طقوس معروفة عند الأهالي خاصة إذا علمنا أن المنازل متجاورة بل متلاصقة ، فالحذر كل الحذر من إزعاج الجيران بالصوت المرتفع أو صوت البشتختة ( السحارة – الشنطة – الجراموفون – البكاب ) والرادو ( المذياع ) أو المسجل أو صوت الرائي ( التلفزيون ) الذي يجود بالعديد من القنوات خاصة إذا ارتفعت نسبة الرطوبة وأصبح الجو مشبعا بها والمحفز الآخر لنا أن جهاز اللاقط للتلفزيون ( السلة ) مثل سلة الويزو الشهيرة قريبة منا بالسطح عندما يستدعي الأمر توجيه ( فر ) السلة بحسب تردد قنوات الدول وأتذكر منها البصرة / العراق – الكويت – عبادان / إيران – البحرين – قطر – أبوظبي – سلطنة عمان – باكستان بالإضافة لتلفزيون أرامكو من الظهران والتلفزيون السعودي من الدمام بالأسود والأبيض وبالملون فيما بعد أتذكر أن أحد كبار السن عندما يشاهد سميرة توفيق تغني بالتلفزيون يطلب من أولادة بإطفاء ( إغلاق ) التلفزيون حتى يعود من الصلاة . ومن الطقوس أيضا تعمل ربة المنزل ترتيبات أساسية مثل كنس السطح بالعسو ( مكنسة يدوية منزلية مأخوذه من عذق النخلة بعد تجفيفة ) ثم رش السطح بالماء ، في هذه الأثناء يظهر عبق رائحة الطين ثم تفرش المداد أو البسط بعدها تقوم بوضع الدواشق ( المراتب – الفرش ) لجميع أفراد الأسرة حيث تنفض الشرشف وتضرب المخدة وتلف ( تطوي ) الدوشق وقبيل النوم يتم فتحه ليبرد ، وبعد أكل وجبة العشا يتم وضع صحن الجح أو البطيخ الفريدوني الحساوي ومن غرائب بعض باعته أنه يشترط على المشتري بأخذ الحب ( البذور ) بعد البيع لأنه ذو جودة عالية والفريدوني ( بطيخ أصفر لبه أبيض أو أخضر حلو المذاق ) يرفع على الإحجا لكي يبرد و الإحجا (جدار يحيط بأسطح المنزل ليستر من في السطح من المارة والجيران ) وفي النهار يتم لف الجحة بخيشة الرز وتوضع تحت كرسي المصاخن ( الجرار الفخارية حتى تنساب لها نقط الماء فتبرد أما مايتبقى من البطيخة فيتم وضع تمرة في وسطها حتى لاتحوف ( لا تفسد ) وعند حضور ضيوف لنا نسعد بجلب مشروبات غازية خاصة التي انقطعت مثل الكراش وكندادراي وأورنجينا وفانتا وبعدها نقول حبيبي أنت ونقص ثلج للماء من دكان العم بوناصر / عبدالرحمن بن سعد بوهيا وبعد توزيع تلك المشروبات ننعزل في أحد زوايا السطح وتظهر هنا شقاوة الأطفال والتي تتمثل بوضع حصاة صغيرة في زجاجة المشروب لكي تطيش ونستمتع بتلك الحركة أو نتراهن قبل فتح العبوات الزجاجية على مقولة طاش ماطاش ومن يكسب ذلك الرهان .
وفي السطح ينقسم أفراد الأسرة إلى قسمين الأول يتابع برامج التلفزيونات المختلفة وقسم يتحلق حول الجدة أو الأم لسماع منها بعض القصص والحزاوي ، ولاتزال في مخيلتي قصة سرور وهي قصة أسطورية حيث غدرت بهذا الطفل اليتيم زوجة والده وكان جزاؤها من جنس عملها . ومن الطقوس كانوا يحذرورننا ألا نعد النجوم ويقولون إذا عديتهم يظهر وتكثر في جسمك الثواليل وهي نتوءات جلدية تظهر خاصة في الرقبة ، أيضا الأمهات تربط بعض أولادها بحبل خاصة الذي يمشي وهو نائم خشية عليه من المخاطر والطفل الذي لاينام يتم تخويفه بأم السعف والليف وكنا نخاف عندما تذكر مع العلم أنها النخلة أو بأم المحامل أو بالعافية .
وللسطح تقسيمات متعارف عليها لدى الأسرة منها قسم للأولاد وآخر للبنات مع الجدة ، والطفل الرضيع ينام في المنز ( سرير مصنوع من جريد الخيل ) أو في المنسف ( طبق من الخوص ينسف فيه العيش / الرز في الهواء لتنظيفه من الشلب والاتربه ) أما الشاب فينفرد لوحده وينام على الكرفاية ( السرير الخشبي أو الحديدي ) حيث يسرح بخياله وهو مغرم صبابة متيم يفكر بزوجة المستقبل يحك ويفتل شعر رأسه خاصة إذا كان جعد ( خشن – فلافل ) غير مسلسل وبجوارة دلة الشاي ومسجل الكاسيت يشغل شريط الأغاني ويرفع الآخر ويطلق بصوت منخفض التنهد مع شدو المطرب أو المطربه .
وعندما نصحو نكون في غاية النشاط والحيوية وننهض من الفراش بكل همة وفي بعض الأحيان وعندما لا نأخذ قسطا كافيا من النوم لاتصحينا منه إلا أشعة الشمس لكننا نتنقل عنها إلى المكان الذي فيه ظل وهكذا تلاحقنا أشعة الشمس حتى نترك السطح ونكمل النوم بالدور السفلي أيام العطلة المدرسية بعد طوي الفراش ووضعة في العريش ( مكان يستظل به مشيد من سعف النخيل ) . والشي الجميل في تلك الأيام هو وجود الفرجة بين المنازل والفرجة هي فتحة صغيرة في الجدار بحجم الباب الصغير يتم من خلالها تبادل النقصة وكذلك المنافع العامة بين الجيران وهذه الفرجة تكون بالدور السفلي أو بالسطح وهي تدل على قوة الترابط والتلاحم والمحبة والألفه بين الجيران . علما أن ظاهرة النوم في السطوح نقلها الأهالي لمنازلهم في أحياء المبرز الجديدة ثم توارت بعد انتشار أجهزة التكييف العادي ( الشباك ) والصحراوي أو أجهزة التلطيف مثل المروحة ( البانكة ) المثبته بالسقف أو الأرضية ( القعادية )التي تدور يمينًا ويسارًا . كل من له علاقة بتلك الحقبة رحم الله من رحل منهم وأطال الله عمر من بقي وجزاهم الله خير الجزاء .
المصادر:-
1- جريدة الرياض العدد 15600 / تاريخ 2011/3/11 م .
2-الموسوعة الكويتية ج1 تأليف / أ- حمد محمد السعيدان .
3- معجم الألفاظ والتعابير الشعبية تأليف /أ- محمد جمال .
4- عيشة لول تأليف /د. جاسم محمد الأنصاري . شكر خاص لكل من :-
1-المشرف التربوي أ/ خالد عبدالله الحليبي .
2- المشرف التربوي أ/ وليد سليم السليم .




