صحيفة همة نيوز موقع صحيفة همة نيوز الالكترونية
صحيفة همة نيوز : بقلم أ. ماجد إبراهيم الغنيم ..
كان هناك أبٌ، قلبه ينبضُ حباً وخوفاً على فلذات كبده، أبنائه وبناته.
كانت نصيحته الخالدة، كهمسة دافئة تتسلل إلى أرواحهم الصغيرة كلما خطت أقدامهم خارج عتبة الدار إلى حدائق غناء، أو أسواق تعج بالحياة، أو حتى في سفر يلامس زرقة البحر:
“لو تهت في أي مكان يا بني، يا ابنتي، اذهب إلى أقرب مسجد. ستجدني هناك أنتظرك.”
تكررت هذه الكلمات، لا كأمرٍ بل كغرسٍ ينمو في تربة أرواحهم، حتى أصبحت جزءاً منهم، تتنفسها أفئدتهم الصغيرة.
كبر الأبناء، وتشبعت قلوبهم بتلك الحكمة، إلا واحداً منهم !
كان يشعر ببعض الضيق، متسائلاً في نفسه:
“لقد أصبحت رجلاً، وأبنائي يكبرون حولي، وما زال أبي يردد هذه الكلمات؟”.
وفي يومٍ، تعامل مع نصيحة والده بنوعٍ من الاستخفاف، فوالده كان يرى فيه سلوكاً لم يدرك الابن أنه كان مجرد انغماسٍ في متع الحياة الزائفة.
تمادى الابن في غفلته، حتى وجد نفسه وقد خسر كل شيء:
المال الذي كان يظنه سنداً، والأسرة التي كانت ركناً، والأهم من ذلك كله، خسر نفسه التي كانت ضائعة في متاهات الدنيا.
سار بين الناس حائراً، تائهاً، لا يدري لأي وجهة يتجه.
فجأة، التقطت أذناه نداءً ينساب إلى أعماق روحه، صوت “الله أكبر” يرتفع من مسجد قريب. لا إرادياً !!
استدعى ذهنه كلمة والده التي نقشت في ذاكرته:
“إذا تهت، اذهب إلى المسجد.”
توقف، وكأن الزمن تجمد به. مرت أمام عينيه سبع سنوات لم تطأ فيها قدماه عتبة مسجد.
تأمل حاله في تلك اللحظة، فمر شريط حياته في لحظات، كأنها عمرٌ كامل يعتصر قلبه بمرارة وأمل في آنٍ واحد.
دفعته قوة خفية للدخول. ومع كل خطوة داخل عتبة المسجد، تبدد شعور الضياع، وحلت محله سكينة غامرة، سلامٌ يلف الروح، بفضل تلك الكلمات البسيطة، العميقة، التي قالها أبٌ أحب:
“إذا تهت، اذهب إلى المسجد.”
إنها ليست مجرد قصة أبٍ وابنه، بل هي حكاية كل روحٍ قد تضل طريقها يوماً.
تذكيرٌ لنا بأن هناك دائماً ملاذاً ينتظرنا، ملاذاً لا تزول سكينة، ولا ينضب عطاؤه.
فالمسجد ليس مجرد بناء، بل هو بيت الروح، ومرساة السفينة التائهة، ونبعٌ يروي عطش القلوب.
إنه المكان الذي يعيدنا إلى أنفسنا، إلى فطرتنا، وإلى السلام الداخلي الذي نبحث عنه. فهل تذكرون مكانكم الآمن عندما تتوهون؟
