((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ..

صحيفة همة نيوز : بقلم شيخة الدريبي ..
إن الإنسان السوِيَّ هو الذي يريد من حياته أن تعطيه بالقدر الذي أَخَذَتْ منه، وهو بهذا مطالَب دائمًا بالعطاء من أجل الحياة، ومن أجل حياة الإنسان التي يجب أن تستمر، وفي سبيل استمرارها يسعى الإنسان دومًا في طريق إعمارها وإصلاحها في تلك الفترة من فترات عمره، بمعنى أن رغبات الشاب ليست كرغبات الرجل الذي تقدمت به السن. لقد بذل العلماءكل جهودهم من أجل خدمة الإنسان، ضحوا بأوقاتهم وأموالهم من أجل نفع الآخرين، وجهودهم تلك وما قدموه للعالم من خدمات جليلة هي ماجعل التاريخ يحفظ أسماءهم، ويذكر جميل صنيعهم .وتعد ظروف الإنسان غالبا موجهة لحياته، ومديرة لأحوالها، لكن أهمية وجود الإنسان الباني باقية مهما كبُر دوره فيها أو صغر؛ فالحياة البشرية في حاجة إلى الطبيب، والمهندس، والمعلم، وهي في الوقت نفسه في حاجة إلى عامل النظافة، والبائع، والسائق.ويسعى الإنسان في هذه الحياة سعيًا حثيثا، وبدافع إدراكه الحقيقي بأن الحياة التي تكون ذات قيمة هي الحياة المستمرة بالسعي المتواصل، والعمل الدؤوب من أجل تحقيق الذات، والشعور بالرضا، والإحساس بنوع من الأمان في حياته..
وإلى جانب هذا السعيِ الماديِّ يأتي سعيٌ آخرُ من أجل الهدف الأسمى والأعلى، لتحقيق الغاية من وجود الإنسان في هذه الدنيا، لا سيما أن الله قد أكرمه بنعمة عظيمة هي نعمة الدين الحنيف؛ فالإيمان بالله سبحانه يجعل الإنسان في سعي دائم ومتجدد من أجل الوصول إلى رضا الله سبحانه، وتحقيق الغاية من خلقه ووجوده؛ وهي عبادة الله وحده. فالإنسان الموفق هو الذي يخلص العمل لخالقه، ولا ينسى حظه ونصيبه من الدنيا التي أُمِرَ الله بإعمارها بالخير، والحب، والسلام فإذا أدركتَ هذه الحقائق العميقة، والغايات النبيلة، استطعتَ أن تفهم فهمًا سليمًا دورك في هذه الحياة، وهو الدور الذي يحتاج منك إلى عقل سليم، وفكر سوي، يستطيع أن يرسُم لك طريقك في هذه الحياة، طريقه آمنة التي تجعلك تسير فيها بنظام متوازن تحافظ من خلاله على علاقتك بربك سبحانه، وتسعى لتحقيق ذاتك في مجالك؛ حتى تكون عضوًا نافعًا فاعلًا في مجتمعك، وبعدها سترى أن الحياة قد أقبلت عليك، وشعرت أنت بنعمة وجودها وأنت فيها كالفلاح في حقله يجني في كل مرة ثمرة تعبِهِ وجهده، وهي النعمة التي حُرم منها كثيرون، حتى إن كانوا أحياء بيننا؛ لأنهم أخطؤوا في حق أنفسهم أخطاء كبيرة وجسيمة، جعلتهم يعيشون حياة بائسة صعبة، مِلْؤها الشقاء والحزن والتعاسة..
كماإن الإنسان العاقل الحريص هو الإنسان الذي يُهيئ نفسه للإفادة من كل فرصة تتاح له في سبيل إصلاح نفسه؛ فهو يُستفيد من كل نصيحة سمعها من عالِم، ويحفظ كل معلومة قِيلت له من معلِّمٍ، يقرأ، ويطلع، ويبحث، ويسأل، ولا يضيع وقته الثمين فيما لا فائدة فيه، ولا يملأ وقت فراغه بفراغ.لايتكبر على العِلمِ، ولا يتردد في التقاط كل معرفة، ومعلومة، وموقف، ومشهد تُضيف إليه.ويحيا مع الناس بقلب سليم، لا يحمل كرها، ولا يؤوي كِبرا، ولا يتوانى في تقديم المساعدة والعون، ولا يبخل بكلماته الجميلة اللطيفة.ولا يشغل نفسه بالصغائر، ولا يلهث خلف المظاهر، ويدرك تمام الإدراك أن الوقت الذي يمضي لا يعود، وأن الزمن لا ينتظر أحدًا، ففي الوقت الذي يلهو فيه، هناك من يحفظ، ويبحث، ويعمل، ويبتكر، ويسعى إلى تحقيق أهدافه بروح سامية، وقلب ينبض بالحب والعطاء، وضمير مرتاح يعيش في سلام وتصالح مع الناس، مهما بَدَرَ منهم.وإن الإنسان متى ما فعل هذا، يحسب إنسان موفق جعل لحياته معنًى حسنا جميلًا، ونال من حياته ما كان يريد ..