هية صالخين ..

صحيفة همة نيوز : عبدالله المطلق ..
الجراد له ذكريات في حياة الآباء والأجداد ، فهم يتذكرون الأيام التي مارسوا فيها مهنة صيد الجراد ، فتارة يتتبعون تجمعاته ، وتارة يستغنون عنه فيدفن تحت الثرى خوفاً من تلف محصولهم الزراعي ، فالجراد هائم ينتقل من مكان إلى آخر فيقطع الاف الكيلوات بحثاً عن رزقه في أرض الله الذي تكفل بمخلوقاته امتثالاً لما ورد في الآية الكريمة ( وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها) هود آية 6.
هكذا حال حياة الحيوانات والحشرات فالجراد عندما يهاجر يهاجر اسراباً ، ويتكاثر أيام فصل الشتاء وعندما أعود بذاكرتي إلى السنوات الماضية ، واذكر بعضاً من الأحداث عن صيد الجراد كما رواها والدي لازالت راسخة في ذهني وهم يصطادونه بكميات كبيرة فيأكلونه شوياً أو قلياً ، ولايبخلون على جيرانهم بشيء منه ، ومما قاله والدي :
عندما يدخل فصل الشتاء يكثر الجراد ، وأخطر أنواعه على المحاصيل الزراعية ، الدبى والخيفان .
فالجراد يهاجر أسراباً كبيرة ، فعندما يحل على المزارع يبيض ، وبعد فترة يفقس ، ويخرج منه ” السرو” الدبى ، الذي لايطير ولونه أصفر ، وأحياناً أحمر أما الجراد الكبير فلونه أبيض ، وأحياناً أصفر يطير لمسافات بعيدة وقال والدي كنا نذهب إلى البر لصيد الجراد فكل واحد منا يملأ خمس أو عشر خياش من الكتان ،وأحياناً نذهب ما بين أربعة رجال أو ستة إلى البر ، ونحفر خندقاً طويلاً في الأرض ، لمسافة ( 30-50م) تقريباً ونقوم بمطاردة الجراد حتى يتجمع في الخندق ، ونكيل منه بالكفين ، ونعبىء ” اكياس الخيش” فيحمل على ظهور الحمير،
فنصفه نأكله ، ونصفه الأخر نتوازعه فيما بيننا ، وبعضه يباع في السوق ، وقيمة ” الخيشة الواحدة ” ريال فضة .. واذا قل موسم الجراد تباع الخيشة بريالين إلى خمسة ريالات ويصيد الناس الجراد لامن أجل شهوة البطن فقط ،ولكن اعتقاداً سائداً منهم ، أن أكل الجراد يشفى من بعض الأمراض ، حتى شاع هذا المثل بين الناس ” اذا جاء الجراد ادفق الدواء” .
وبعض الأهالي يجففون الجراد ويحفظونه في قوارير حتى اذا مرض أي شخص في البلدة يشخص له ويعطى جرعة من هذا الجراد الذي يشفى من بعض الأمراض على حد تفكيرهم !
هذا الجراد الذي يقطع المسافات ،ويأكل أنواعاً مختلفة من أوراق الأشجار والثمار مثله مثل النحل ، الذي يمتص رحيق الأزهار ، فيتكون منه العسل الذي فيه شفاء للناس كذلك الجراد يفرز مادة مشابهة للعسل ، ولكن لم تفدنا أو تخبرنا أي دراسة عن جدوى هذه المادة الموجودة في الجراد ،ولكن أكل الجراد في نظر الأباء والأجداد أصبح من الأكلات الشعبية قبل عام 1378هـ والجراد في نظرهم دواء لكل علة .
وتحدث والدي عن السنوات التي جاء فيها الجراد بكميات كبيرة فقال : كان ذلك عام 1378هـ ،وبكميات كبيرة ، هذا أخر عمله بالجراد حيث هاجم الجراد مزارع الأحساء محصودها وذكر أحد شعراء الموال هذه الحادثه وهو الشاعر حسين بن علي الشايع فقال :
الدبا جاير على الناس والخيفان
كل الزروع عدمت ومن مرة الخيفان
وفي كل قرية ذكر الدبا والخيفان
اطلب من الله يفرج أيام البحر
ابحق مجرى سفينة نوح وسط البحر
تهلك جميع الدبا ويا الخيفان
وعن المرة الثانيه قال والدي :
في يوم غائم هبت ريح شديده ، تتبع ذلك غبار ،ومطر غزير ،فجاءتهم البشرى بوصول أسراب الجراد بكميات كبيرة ، فهب الناس لصيده ، رغم برودة الطقس ، والجو المغبر الذي غير لون السماء إلى الأحمر ، ومع ذلك هاجم الجراد المزارع ، فبعض الأهالي ذهبوا إلى خارج البلدة ،والبعض اتجه إلى المزارع ، وعرفت هذه السنة بسنة ” صالخين” فطلبت من والدي يوضح
لي قصة هذا الرجل فقال :
صالخين احد سكان الطرف فعندما سمع عن وصول الجراد أخذ عصاه ، وبعض أكياس الخيش لصيد الجراد ، وكان الجو مليئاً بالسحاب والأمطار والغبار الذي يحجب الرؤية واحياناً تهب ريحاً شديدة فتبعث الغبار يتطاير فيحجب الرؤية عن الأنظار ، ومع ذلك تابع صالخين سيره حرصاً منه أن يجمع كمية كبيرة من الجراد !!
ولكنه تاه في الصحراء !! ولم يعرف له أثر ؟!
فلما فقده أهله ذهبوا لإبلاغ الأمر إلى أمير البلدة وبعد هدوء الريح وصفاء الجو ، ذهبوا إلى الصحراء للبحث عنه ، وبعد بحص وتقصي وجدوه ميتاً وبجانبه عصاه في الصحراء والروايات حول ” هية صالخين ” والبعض الأخر قالوا بأنهم لم يجدوه !! ولم يعرفوا له أثراً فعرفت هذه السنة بسنة صالخين وحتى ضرب به المثل : ” هج هجة صالخين اللى راح مارد ” .
انقطع الجراد عن منطقة الأحساء ثلاثين سنة تقريباً ولم يتكرر موسم صيد الجراد إلا في شتاء عام 1409هـ إذ هاجم اسراب الجراد مزارع المملكة العربية السعودية بالرغم من الوسائل التي جهزت من أجل مكافحة الجراد والقضاء عليه ورغم التحذيرات التي توجهها الدولة بمنع أكل الجراد نظراً لخطورة المبيدات الكيمائية التي ترش على الأرض ، ألا أنهم يصيدونه بشراهة ويباع في الأسواق وبأسعار غالية الثمن .
وقال والدي : ليس كل انسان يأكل الجراد !! لكن النفس ومااشتهت .