
صحيفة همة نيوز : عبدالله المطلق ..
عندما تحلق بفكرك وخيالك إلى السماء .. وتتخيل أنك طائر في الفضاء .. لترى بعينك مختلف الأحياء والبراحات في مدينة الطرف الغراء ، وترى غابات النخيل الباساقات تحف بهذه المدينة الوادعة على أطراف الشمال الغربي والجنوب الغربي من واحة الأحساء في شمالها وغربها وجنوبها على امتداد البصر ، وترى أخاديد المياه تحف بها في غربها وجنوبها وشرقها تمثل هذه المياه بعضاً من طوائح عيون المياه الزائدة عن الحاجة ، وعندما تهم بالدخول الى مدينة الطرف القديمة أو مايسمى ( الديرة القديمة ) حيث لايمكنك الدخول إليها إلا عن طريق أربع دراويز ومفردها ( دروازة) وهناك مدخلان في السور الذي يحيط بالطرف بإمكان الدخول منهما يطلق على كل مدخل ( الثليم ) ومعنى الثلم : ثَلَمَ الحائِطَ : أَحْدَثَ فِيهِ شَقّاً أَوْ شَرْخاً ، يعني ان السور فتح فيه فتحة صغيرة يمكن الدخول منها والخروج لكن تغلق أو تبنى إذا حدث خطب ما أو استنفار فيغلق الثلم ، والثلم الأول في السور الغربي جنوب الدروازة الجبلية ، والثلم الثاني في السور الشرقي شرق مسجد منيرة الحسن .
هذه الدراويز متصلة بسور يحيط بالبلدة باعتباره أمن وحماية للبلدة من طمع الطامعين ،وشكِّل «الأمن» مطلباً أساسياً لكُلِّ من عاش في «الجزيرة العربية» بشكلٍ عام و» المملكة العربية السعودية » بشكلٍ خاص قبل توحيد هذا الكيان المترامي الأطراف على يد المؤسس الراحل جلالة الملك «عبدالعزيز» -طيَّب الله ثراه ؛ نتيجة حوادث القتل والغزو والنهب المتكررة يومياً قبل توحيد المملكة ؛ مما اضطر كثير من سكان القرى إلى تحصين بلداتهم، من خلال بناء أسوار ترد كيد المتربصين بهم من المفسدين في الأرض وقطّاع الطرق، وغيرهم مِمَّن تحركهم أطماعهم وطموحاتهم في السيطرة على تلك القرى والبلدات والتنعُّم بخيراتها، ومثَّلت تلك الأسوار الضخمة خط الدفاع الأول عنهم، ونجحت في الوفاء بهذه المهمة أيُّما نجاح ، وبقي العديد منها أو أجزائها شاهداً على تلك الفترة المضطربة أمنياً ؛ ليستشعر الجيل الحالي مقدار ما ينعم به من «أمن وأمان» على ثرى الوطن.
السور القديم :
كان من المُتعارف عليه في الماضي أن يتم بناء السور الذي يحيط بمنازل القرية على أساس التعاون بين أبناء البلدة جميعاً ، وكانت أُولى خطوات البناء تبدأ عبر حفر أساس السور، وذلك بعمق ذراعين إلى ثلاثة، ومن ثمَّ يكون بناء الأساس من الحصى القوي الذي يُقطع من مقطع الجص ويُحضر على ظهور الدواب، ويكون بعرض الجدار وسماكته، وكانت غالباً ما تكون من ثلاثة أمتار إلى أربعة، وبعد أن يرتفع بناء الحصى بمقدار ذراع يتم وضع الطين بطريقة «العروق» وليس «الِّلبن» ، إذ أنَّ هذه العروق تكون عادةً أكثر صلابة من «الِّلبن»، ويتم بناء هذه العروق على شكل جدران متلاصقة بعضها ممسك ببعض، وقد تبلغ من خمسة إلى ستة جدران، بحيث تشكل في النهاية جداراً واحداً قوياً صلباً لا يمكن اختراقه أو هدم ثلمة منه ، ومن يقوم بتكليف المواطنين بهذه المهمة هو أمير البلدة ، حيث يكلف من ينوب عنه بمتابعة يناء السور ، أو كل مجموعة تتبنى جهة من الجهات ، وهكذا يتم بناء السور ، ثم يتم توزيع المناوبة على حراسة الدراويز من قبل رجال يعينهم أمير البلدة بالتناوب ، تفتح مع بزوغ الفجر للسماح لسكان البلدة ورجالها بالخروج للعمل ، وتغلق بعد صلاة المغرب ، ولا تفتح إلا للضرورة أو لأمر طارئ بناء على طلب الأمير أو من يكلفه الأمير بهذه المهمة 00هكذا كانت الحياة في الماضي ،
أما بعد توحيد المملكة في عام 1352هـ ، فقد أزيلت جميع الأسوار التي تحيط بكل مدينة وبلدة وقرية في مختلف مناطق ومحافظات المملكة ، بعد أن تحقق الأمن والأمان في ربوع الوطن ، ولم يتبقى من هذه الأسوار إلا صورها وذكرياتها
نعم هكذا سطرت ذكرياتي عن بلدتي ، وأنا افكر في مواقع لازالت راسخة في ذهني ، أمَّا جدار السور فإنَّه يكون عالياً بعد الانتهاء منه وقد يبلغ أكثر من ثمانية إلى عشرة أمتار، ويكون الجدار من الأسفل ضخماً وعريضاً ويتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أمتار، ويضيق كُلَّما ارتفع البناء، خاصةً إذا تجاوز منتصفه، بحيث يكون في الأعلى بمقدار نصف متر تقريباً وقبل النهاية بحوالي متر تقريباً، أمَّا عرض الجدار فيبلغ متر تقريباً، كما يتم بناء نصف متر من الجهة الخارجيَّة للسور بارتفاع قامة الإنسان، بينما يُترك نصف متر بدون بناء من الجهة المقابلة لمنازل القرية؛ وذلك لكي يستطيع الشخص المشي على جدار السور من الداخل ويتنقل من مكان إلى آخر، كأن يذهب من برج مراقبة إلى برج آخر أو يكون طريقاً للمشي أثناء صيانة السور.
وكلما دخلنا في أزقة البلدة القديم نجد ان في كل زاوية من زواياها نجد حكاية تروى للأجيال القادمة حكاية على شكل رواية.

