
صحيفة همة نيوز -عبدالله المطلق ..
بعد رواياته: “النعاثل” و”مواجع الأيام” و”بلال وبعض التفاصيل”..
صدرت للكاتب خليل إبراهيم الفزيع رواية جديدة تحمل اسم “براحة الخيل” وهي من الأماكن المعروفة في حي “الكوت” في مدينة الهفوف بالأحساء، وهذه الرواية عنيت بالتاريخ الاجتماعي في تلك البيئة الزاخرة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تقديم صورة بانورامية عن “براحة الخيل” في منتصف القرن الميلادي الماضي، حين تحكي قصة فرحان الإنسان الذي عانى من الفقر في طفولته، وامتدت معاناته بعد أن زوجه والده قبل وفاته، ليجد نفسه أمام مسؤولية عائلية صعبة وخاصة بعد أن أصبح أباً لثلاثة أولاد وأمهم، وهو مطالب بتوفير لقمة العيش لأفواه وبطون هو مسؤول عن إشباعها، في ظروف انعدام فرص العمل، وبين اليأس والفاقة تضطر زوجته شمسة (للطرارة) لتملأ بطون أبنائها الأمر الذي تعافه نفس فرحان لكنه لا يقدر على منعها، مكتفياً بعدم مشاركتهم في هذا الذل حتى وإن ظل أياماً في جوعه.. منصرفاً لقضاء معظم نهاره في “براحة الخيل” حيث توجد اسطبلات الخيول التي اتخذت منها البراحة اسمها، متأملاً وراصداً لحركة الخيل، ومعجباً بها وهو يمنّي النفس بأن يكون واحداً من أولئك العمال الذين يخدمون الخيل (من أجل الحصول على وظيفة ذات أجر ثابت)
ثم تنفرج أزمته بالحصول على العمل في أحد تلك الاسطبلات لتكون تلك بداية انفراج أزمته المالية، حتى ينتقل بعد ذلك للعمل في السراج مقر إمارة المنطقة، وكانت زوجته دائمة التفاؤل انسجاماً مع نظريتها التي تتلخص في قولها:
(غداً يكبر الصغار وتعمر الديار) لكن مع كبر الصغار كبرت مشاكلهم التي تصدى لها فرحان بصلابة استطاعت أن تقوّم ما كاد أن ينفرط من مسرة حياتهم، لينتظم بعد ذلك مسار حياة أسرته بعد عدة أحداث تعرض لها أولاده الثلاثة سعد وسلمان وحمد، وهو أصغرهم وأكثرهم خمولاً في بداية حياته، قبل أن يتحول بجده وتصميمه إلى أكثر اخوانه نجاحاً في عمله، بينما ارتبط أخواه بالوظيفة ذات الدخل الحدود.
زوجته شمسة كانت الداعمة الدائمة له وبتشجيعها المتواصل له استطاع أن يتحول من رجل يشكو من الفقر والفاقة إلى رجل يعيش حياة رخية وهانئة، وتتنامى احداث الرواية بعد التحاق ابنه سعد بالعمل في “رباط أبي بكر الملا” وسلمان بالعمل في شركة النفط، بينما انصرف حمد للعمل في تجارة التمور ليحقق فيها نجاحاً أثلج صدور والديه وأخويه.
وهناك شخصيات أخرى أثرت في حياة فرحان، وكان لها دورها في مسرة حياته.. من هذه الشخصيات صديقه حمدان و(الخوي) جسار وغيدان البدوي المسؤول عن اسطبلات الخيل، الذي فاجأ فرحان بخشونته وسوء معاملته قبل أن يكتشف لاحقاً أن شخصية غيدان تنطوي على الكثير من النبل والكرم والعطف، ليعرف أن الرجال بمخابرهم وليس بمظاهرهم.
الرواية قدمت صورة حية عن العلاقات الاجتماعية والتعاون بين أفراد المجتمع، وصعوبة التواصل بين أحياء المدينة الكبيرة في ظل غياب وسائل التواصل السريع بين تلك الأحياء، ويتضح ذلك في معاناة أسرة فرحان القاطنة في الكوت عندما أرادت زيارة أسرة حمدان القاطنة في الصالحية من أجل خطوبة ابنتي فرحان فاطمة ومريم لاثنين من أبناء فرحان هما سلمان وحمد، أما الثالث وهو سعد، فهو من نصيب ميثاء أبنة صديقة زوجته شمسة، الأمر الذي لم يتم نتيجة بعض التعقيدات الذي ظهرت بظهور من ادعت قيامها برضاعة ميثاء وسعد.
وتتعقد الأمور عندما يكتشف سعد أن له ابن في الكويت من امرأة تزوجها عندما سافر إلى هناك ليعمل بها فترة تزوج خلالها زواجاً غير مريح اضطره لطلاق زوجته والعودة إل بلاده، ليكتشف بعد ثلاث سنوات، أنها كانت حاملاً وتوفيت أثناء ولادة ابنه نعيم دون علمه. كما سجلت الرواية احداثاً هامة شهدتها المنطقة في خمسينيات القرن الماضي، قدمها الكاتب بأسلوب ممتع وبحبكة روائية متقنة، تدفع القارئ لمتابعة فصول الرواية بشغف ورغبة في معرفة مسار أحداثها التي تنتهي بفاجعة يتعرض لها فرحان في الحج أثناء الوقوف بعرفات يوم الحج الكبر. في زمن كانت فيه رحلة الحج محفوفة بمخاطر الطريق وصعوبة السفر، عبر طرق صحراوية غير واضحة المعالم.
الرواية من إصدار دار ريادة للنشر والتوزيع بجدة. 2024م.
