الشعر امتداد لوالدي وعمي وتأثرت بالشاعر اليمني المبصر البردوني ..
صحيفة همة نيوز : زهير بن جمعه الغزال ..
الشاعر البحريني – علي النهام عرف كيف يغوص في بحور الشعر وفي اعماق الخليج ليخرج لنا بهذه الدرر الشعرية الابداعية اخترناه اليوم ليكون ضيف الكلمة والمعنى في هذا الحوار الصريح.
س١/ لكل شاعر امتداد ونقطة ميلاد، هل كان في مسقط رأسك أو بيئتك أو في عائلتك من كنت له وريث المشاعر ومحكم للشعور لتكون شاعرا.
ربما كنت في البدء امتداد لأبي وعمي فهما فقيهان وإمامان وصاحبا لغة رفيعة وقد منحاني كل العناية والدعم والتشجيع ثم تأثرت بعد ذلك بالشاعر اليمني العظيم المبصر عبدالله البردوني ، لأنّ قصائده رافقت طفولتي ومراهقتي وشبابي ومنحتني الكثير من الإلهام وهو صاحب تجربة مميزة وفريدة حيث استطاع ابتكار أسلوبه الخاص وأخرج العمود الشعري عن نطاقاته التقليدية المألوفة إلى فضاءات الحداثة وتمرد على السائد والمألوف.
س٢/ما الذي يقودك لتحاكي مخاض الشعر هل الإيقاع أم موسيقى الشعر أم كليهما؟
كلاهما (الموسيقى والإيقاع) هما جناحا القصيدة اللذان تحلق بهما وتجتاز بهما عتمة الكلام إلى سماوات النور وحدائق الإبهار والدهشة.
س٣/ هل تكتب رسالتك أم مشاعرك فقط على قالب شعري؟
أعتقد أن الرسالة بنت الشعور وهي ترجمة عملية له ، الشعر الحقيقي هو الذي يملك رسالته وهو المعبر عن الناس في أفراحهم وأتراحهم فالشاعر مرآة وطنه ومجتمعه وأمته وهو صوت من لا صوت له ، لذا يجب على الشاعر أن لا يحبس نفسه في برج عاجيّ ثمّ يراقب الناس من علٍ بل عليه أن ينزل إليهم ، يعيش همومهم ويشاركهم مشاعرهم ثم يطلق لقصيدته العنان لتكون صوتهم وسفينتهم .
س٤/ هل تنتمي لمدرسة شعرية معينة أو ثمة تصنيف لميولك الشعري؟
لا أؤمن بهذه التصنيفات ولا أكتب شكلا شعريا واحدا ، فقد كتبت كل الأشكال الشعرية وإن كنتُ أميل أكثر للقصيدة الكلاسيكية المحدثّة.
س٥/للشاعر ميل نظمي معين أو يسكب على قالب شعري معين هل يقودك الوزن والبحر والقافية أم هي راحلتك الإبداعية تقود الطريق؟
أنا عادة لا أختار للقصيدة بحرا معينا بل أركز على الفكرة واللحظة الشعورية والحالة النفسية فقط ثم أترك للقصيدة اختيار المقاييس والأوزان والشكل .
س٦/ ماهو القالب الشعري الأقرب لنفسك الفخر، الحماسة، الغزل، أم أغراض معينة تحب أن تصيغ قصيدتك عليها؟
أكتب في كل الأغراض الشعرية وفق الحالة الشعورية واللحظة الملهمة للنص ، فقد تلهمك امرأة وقد تسحرك الطبيعة وقد يحزنك موقف أو يُبكيك جرح للوطن ، فالطبيعة حاضنة الجمال ، والوطن فرض الشاعر الأكبر والمرأة ملهمته، لكنني أميل للغزل أكثر لأن الشاعر إذا توقف عن مغازلة أنثى برائحة الحبر فقد أصيب بالسكتة الشعرية.
س٧/ كيف ترى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر؟ هل لك طريق لهذا النوع من الكتابة؟
قصيدة التفعيلة هي الامتداد الطبيعي للقصيدة العمودية وهي ضرورة حتمية لتجديد وتطوير القصيدة العربية لأنها تمنح الشاعر مساحة أكبر للتجريب والابتكار والتحليق، وقد كتبت الكثير من قصائد التفعيلة، أما بالنسبة لقصيدة النثر فهي تحمل ذات الأهمية وقد استطاعت أن تكسر الكثير من الحواجز وتفتح الكثير من النوافذ المطلة على الدهشة، وتميز بها الكثير من الكتاب لكن مع الأسف الشديد حاول الكثيرون ركوب هذه الموجة من باب الاستسهال فأساءوا لها كثيرا وقدموا نماذج مشوهة لهذا الفن الرفيع.
س٨/ ما الذي يؤثر فيك لتكتب قصيدتك هل هو الموقف أو الهم الذاتي الذي بداخلك؟
الهم الداخلي هو نتيجة حتمية لموقف ما ، لذا أعتقد أن الموقف هو شرارة القصيدة وباعث الروح فيها ، فالقصيدة الناتجة عن موقف أكثر تأثيرا من القصيدة المتكلفة التي لا تملك روحا ولا رسالة .
س٩/ إلى أي مدى تقودك القصيدة الفصيحة هل تعبر عنك بشكل جيد أم تجد جمهورك أو الفئة المستهدفة لهذه القصيدة تأخذك لتصنع مايريدون منك؟
طبعا القصيدة الفصيحة تعبر عني وتمثلني وهي سفينتي التي أسافر عبرها إلى الآخر وأقدم من خلالها أحلامي ورؤاي وما أؤمن به ، وأقاوم من خلالها ما أعتقده خاطئا وقبيحا ، القصيدة جناح الشاعر الذي لا يخذله أبدا ، وعلى الشاعر أن يكون رقيقا ، حكيما ، صادقا، ومنصفا حتى لا يكسر هذا الجناح ، لذا عندما أكتب القصيدة أتمثل رسالتها وأضع القارئ أمامي ثم أفكر بطريقة الدخول إلى ذائقته.
س١٠/ هل شعراء المعلقات لهم أثر ما عليك؟
طبعا فقد نشأنا على شعر المعلقات وحفظنا منها الكثير وتداولناها في مراحل حياتنا الأولى ، هذه الروائع الخالدة التي فتحت بابا كبيرا للشعرية العربية وقدمت نماذج فنية عالية ما زالت الذائقة العربية تعود إليها كمرجع فني وتاريخي كبير.
س١١/ هل تجد وجودك في مثل هذا المهرجان صلة بالرسالة الإنسانية التي حكمت قصيدتك ومفرداتك وتكون بها أثر تفاعلك مع الحدث؟
المهرجانات الشعرية بشكل عام هي ولادة أخرى للشاعر، واعتراف بشاعريته وحقه في تمثيل بلده ، أما وجودي في مهرجان الشارقة وفوزي بجائزة القوافي فهي مكافأة عظيمة لمسيرتي الشعرية وثمرة جهدي الذي بذلته خلال الفترة الأخيرة وإصراري على إيصال رسالتي الشعرية للقارئ بشكل لائق ومناسب ، وتزيد قيمة التكريم وأثره لدى الشاعر عندما يأتي من شخص مثل حارس القصيدة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة حفظه الله .
س١٢/ ماذا تعني لك المقاطع الشعرية لحظة الإلقاء الشعري حين نتحدث عن المطلع للقصيدة المبتكرة بعيدا عن عادة الشعراء في استهلال قصائدهم؟
المقاطع الشعرية القصيرة تبين قدرة الشاعر على شرح فكرته بصورة مبتكرة ، لافتة ‘ مختلفة ، وبأقل عدد من الكلمات حتى يصل إلى المستمع سريعا عن طريق الدهشة والمفاجأة ، وهذا النوع من الشعر يتقنه عدد قليل من الشعراء وهو أكثر جذبا لجمهور الشعر من القصائد الطويلة التي يرافقها الملل بسبب تأخر نضوج الفكرة وتشعب دائرتها ، وللإلقاء دور في نجاح النص على المنصة أيضا .
س١٣/ هل القافية في وقتنا الحالي مجال لدهشة المستمع ولفت لانتباه الشعراء حين يقدم شاعر متمكن قافية نادرة أو ذات إيقاع جديد الحبكة؟
طبعا القافية تثير دهشة المستمع وتشبع ذائقته وخاصة القافية الجديدة الغير مكررة كثيرا ، فالقافية مثل النغمة في اللحن تحفر عميقا في ذائقة المستمع وتسرقه من ذاته ليسلم كل جوارحه لهذا الجرس البديع .
س١٤/ هل تعتبر القصيدة العمودية الكلاسيكية ذات نمط مستهلك ومجرد قالب يركب عليه الشاعر أم أن الحداثة والتجديد أخذ مأخذ فيها؟
ليس صحيحا فالقصيدة العمودية الكلاسيكية أساس الشعر ومرجعه الأكبر وكل أنواع الشعر خرجت من عباءتها ، والقصيدة العمودية متجددة وخلاقة وقادرة على مواكبة الحداثة فالشكل أو القالب ليس مقياسا أنما القيمة الفنية والجمالية في النص هي المقياس سواء كان النص عمودا أو تفعيلة أو نثرا، فقد تقرأ قصيدة تفعيلة مثلا وتجدها بلا روح أو قيمة فنية والعكس صحيح ، فمقياس الإبداع هو مقدرة الشاعر على الوصول إلى المستمع وإرضاء ذائقته والشكل مجرد قالب أو نمط معين للقصيدة.
س١٥/ هل توجد قصائد تم كتابتها خاصة بحدث المهرجان خصيصا هذا العام؟
نعم كتبتُ نصّا قصيرا وقد قرأت بعضه في حفل استلام جائزة القوافي.
أتدري الحبيباتُ أَنّي هنا
ويدري أبي اللحظةَ الفارقةْ
أيدري الكلامُ بأيِّ بلادٍ
ستخضرُّ أشجارُه الباسقةْ
أتدري القصائدُ عن بيتِها
وخُطوةِ سلطانِها الواثقةْ
هنا جمّعَ الشيخُ أقلامَنا
لتغدو بعطرِ الرؤى عابقةْ
هنا يا أبانا جمعتَ القلوبَ
على الشعرِ واللغةِ الشاهقةْ
هنا يا أبانا نسينا الحروبَ
وذبنا على ضَحكةِ الشارقةْ
س١٦/يقال أن لكل شاعر طقوس للكتابة والإلهام فهل لك طقس خاص يمكن أن تكشفه لنا لبناء قصيدة؟
ليس لديّ طقوس معينة للكتابة فالقصيدة تكتب نفسها متى شاءت ، فقد يبعثها حدث أو ينجبها وجع أو يشعلها موقف أو تحفزها أنثى، لكنني عندما أستغرق في الكتابة أمارس العزلة والتوحد مع القصيدة لحد ما.
١٧/ من هم أبرز الشعراء المعاصرين في رأيك وهل توجد قصائد ما تعتبرها معلقة هذا الزمن؟
الشعراء المعاصرون كثر، ومنهم من أبدع شعرا وتألق حضورا، ولكن باعتقادي أن التجربة الشعرية لدى أغلب الشعراء المعاصرين لم تنضج للمستوى الذي نستطيع أن نحدد من خلاله الأبرز، فلا يوجد الآن إجماع أو حتى شبه إجماع في الوسط الشعري على بروز أو تفرد شاعر من شعرائنا المعاصرين بحيث يكون حضوره الشعري قراءة ونقدا بمستوى درويش أو البرودني وغيرهما على سبيل المثال، وأعتقد أن نفس التقييم ينطبق على القصيدة المعاصرة.
س١٨/ الشواهد على العصر كثيرة هل توجد قصيدة فصحى حاليا شاهد على العصر؟
أعتقد أن هذا من حق الأجيال القادمة وليس من حقنا ، هي وحدها التي تملك حق الحكم علينا ومحاكمة قصائدنا كما كان لنا الحق في محاكمة قصائد الأجيال التي سبقتنا .
س١٩/ هل أمير الشعراء في زمننا الحالي يحمل صفة شعراء المعلقات؟
لا أعتقد ذلك..
أمير الشعراء مجرد مسابقة ربحية لها حسناتها وسيئاتها، فمن حسناتها أنها قدمت الكثير من الشعراء المميزين إلى الجمهور وصنعت حالة شعرية جيدة وفتحت نافذة للتنافس حاول الكثيرون مجاراتها ، لكنها ليست مقياسا للجودة أبدا لأنها تعتمد على اختيارات الجمهور والجمهور تسيره عاطفة القرابة أو المناطقية أو الشعبوية، وقد شاهدنا النسخ الأخيرة من البرنامج فوجدنا فرقا شاسعا بين اختيارات اللجنة والجمهور .
س٢٠/ هل الشاعر الفصيح مظلوم إعلاميًا وحضوريًا مقارنة بشعراء النبط والشعر الشعبي الأكثر تداول بين الناس؟
أعتقد ذلك وخاصة في منطقة الخليج التي تميل أكثر للعامية فنجد اهتماما كبيرا بالقصيدة الشعبية على حساب القصيدة الفصيحة ، لكننا اليوم أفضل حالا بسبب اهتمام بعض البرامج والمؤسسات المجتمعية والجهات الحكومية بالقصيدة الفصيحة وخير مثال على ذلك مهرجان الشارقة للشعر العربي….
علي النهام شاعر وكاتب بحريني
نائب مدير التحرير بمجلة أقلام عربية- عضو أسرة الأدباء والكتاب البحرينيين – أمين جمعية الأدب العربي البحرينية – عضو مركز عبدالرحمن كانو الثقافي – عضو مؤسسة الكَرْمة للتنمية الثقافية والاجتماعية بجمهورية مصر العربية.
صدر له :
- قبلة المطر – ديوان شعر
- دمعة في مقلة الغياب – ديوان شعر
- دهشة الناي – ديوان شعر
- متسع في عيوان الفراغ – ديوان شعر
- شارك ايضا مع نخبة من الشعراء العرب باصدار سبعة دواوين شعرية مشتركة
تحت الطباعة :
- توق إلى الآية الأولى (ديوان مخطوط).
- ثرثرات بنكهة القهوة (ديوان مخطوط).
- أحيا وشارك بإحياء أكثر من ١٣٠ أمسية شعرية في كل من البحرين ومصر والكويت والسعودية واليمن ولبنان والسودان وقطر والإمارات .
–ترجمت له مجموعة من النصوص إلى الانجليزية والاسبانية والفارسية.
مثّل البحرين في الكثير من المهرجانات الثقافية والأدبية الخارجية.
- نشرت له الصحافة المحلية والعربية الكثير من القصائد وله الكثير من اللقاءات التلفزيونية والاذاعية .
شارك بعدد من معارض الكتاب اهمها معرض الرياض الدولي في مناسبنين ومعرض القاهرة الدولي ومعرض الدوحة ومعرض البحرين في مناسبة واحدة .