
صحيفة همة نيوز بقلم د. نويّر بنت عبد الله العنزي..
قدمتُ أمسية ثقافية في الرياض العامرة احتضنها (مقهى السبعينات) مساء يوم الأثنين الموافق 17/2/ 1447هـ بعنوان ( سيميائية الشعر الوطني السعودي) والتي نظمها نادي (وسم الثقافي) بالتعاون مع مقهى (أرجوحة شرقية) وسط حضور لافت من المثقفين والمهتمين للفنون والأدب والإبداع.
وافتتحت الأمسية بكلمة ترحيبية بالضيوف واستعراض أهمية الفعاليات في استعراض المشهد الثقافي المحلي على أثر أنّ هذا الموضوع ملمح وعلامة فارقة في الشعر الوطني السعودي الذي يُعد أبرز أشكال التعبير الأدبي والمعبر عن الانتماء والفخر والهوية الوطنية والذي يزداد حضوره اليوم في الأدب والثقافة.
وقد كانت غايتي في ذلك الكشف موقف الأدب السعودي وبخاصة الشعر في الدفاع عن القضايا الوطنية، وكيف صنع الشعراء السعوديون المعنى بأدواتُ أكسبت الشعر السعودي قوة، وبالتالي حضورا إقليميا وعلميأ ومعرفيا، خاصة أن الكلمة جاءت في القرآن في قوله تعالى:( سيماهم في وجوههم من أثر السجود) سورة الفتح 29 .
وتمثلت كذلك في لسان العرب مادة (س و م) السومة والسيمة والسيماء
والسيمياء وهي :العلامة ويقال سوّم الفرس،لذلك هي علم الإشارات والعلامة التي تميزه عن غيره.
ومن جانب آخر نلحظ تعددية المصطلح في السيميائيات أو السيم أو السيمولوجيا وسيموطيقيا علم الرمز علم الإشارة وعلم العلامة، مما يدل على أن الإنسان منذ فجر التاريخ يستنطق العلامات بحثا عن المعنى، وهي نظرية تُعد من أقدم النشاطات الفكرية الإنسانية وأوسعها، فالإنسان سيميائي بطبعه فهو يصطنع الدلالة لأمر ما ثم يقرأ لها علامة لتحليل الخطاب والكشف عن المعنى وإبراز القيمة الجمالية.
ومن أهم الأهداف التي كانت في الأمسية مايلي:
السيميائية ليست حكرا على المختصين في اللغة والأدب، بل علم يتقاطع مع حياتنا اليومية.
( المعنى في بطن الشاعر) :
مقولة أدبية مشهورة تعبر عن التعقيد والعمق
يتأتى للشعراء السعوديين من وسائل العصر التي وفرتها حكومُتنا الرشيدة ما لا يتأتى لغيرهم.
ومن النماذج الشعرية المتميزة في الشعر السعودي الشاعر علي بن عبد الله الحازمي في قصيدته (أجمل وطن) انتقيتُ منها هذه الأبيات:
دَعُونِي فَقَدْ هَامَ الْفُؤَادُ بِحُبِّه وَمَا مُنْيَتِي إِلاَّ الْحَيَاةُ بِقُرْبِهِ
كَذَا طَيْبَةٌٌ طَابَتْ بِطِيْبِ نَبِيِّنَا وَآلٍ كِرَامٍ وَاسْتَنَارَتْ بِصَحْبِهِ
لَنَا مَلِكٌ قَادَ الْبِلاَدَ بِحِكْمَةٍ تَرَقَّى بِنَـــا لِلـــْمَجْدِ غَايَةَ دَأْبِهِ
بِسَلْمَانَ زَادَتْ رِفْعَةً وَتَأَلُّقاً تَسَامَتْ طُمُوْحًا وَاسْتَطَابَتْ لِطِيْبِهِ
وَنَائِبُهُ الْفَذُُّ الْهُمَامُ مُحَمَّدٌ لَهُ هِمَّةٌ عُلْيَا تَــــجُوْلُ بِلُبِّـــهِ
ومن أهم النتائج في الأمسية:
إنّ رؤية خادم الحرمين عماد للتحولات السعودية،ولا يحتمل أن نعبر عن هذه الرؤية إلا بصيغ من الثراء اللغوي الذي يعبر عن المعنى الحقيقي.
التكرار ظاهرة بارزة في بنية النص في الشعر الوطني السعودي، وله دور في جمال الإيقاع وهو من الموسيقا التي تضفي على النص الصدى العاطفي الذي يعزز التأمل في مكانة المفردة نفسها.
النداء/ علامة بارزة ذات اقتصاد لغوي يغني عن تعابير شتى ويشكل لوحة ذات قيمة تواصلية بين مرسل ومرسل إليه،
وأما من ناحية النغم الموسيقي فهو يعطي إطالة في النفس من شأنها أن تحدث سياقا إقناعيا، فالنداء يخرج إلى الطلب بطريقة تؤثر في السامع.
الشاعر السعودي يركز على (الذات المحورية) وفي ذلك تعبيرعن الذاتية التي توضح كفاح الآباء والأجداد عبر مسيرة طويلة من الفخر والاعتزاز في صناعة ذلك المجد وصناعة الحاضر المزدهر في تاريخ المملكة على يد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله، والتعبير عن الذاتية علامة لغوية فارقة مناسبة، وفي ذلك استراتيجية تخطابية تُلفت انتباه المتلقي.
السيميائية في الشعر السعودي الوطني لها اتصال في البيئة والمكان والأشخاص في النصوص الشعرية.
ساهم الشعر السعودي بقدر كبير في تجديد الوعي النقدي من خلال إعادة النظر في طريقة التعامل في أشكال المعنى وقضاياه والذي أخلص إليه أن الخطاب الشعري السعودي يعد مجالا خصبا لما فيه من السيميائية الوافرة التي توصل الفكرة والرأي والإقناع المعتمد على مهارة الشاعر.
تبقى السيميائية نظرية لم تنغلق إلى هذه الساعة مستمرة في التأسيس والتشكيل ووفرة الأدوات.
هذا ويبقى الشعر الوطني السعودي تاريخ عميق من الأصالة والرقي والتطور في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله تعالى.
وكان من أبرز فقرات الأمسية التي أضفت طابعًا ثريًا قصيدة ألقاها سعادة البروف إبراهيم بن عبدالله السماعيل بعنوان: (الحج آمن ) كان مطلعها:
الحجُ آمنُ والإسلامُ محفوفُ وجُهدُ مملكتي بادٍ وموصوفُ
عرابُ رؤيتنا أمير رحلتنا يمضي بنا قُدُما والحزمُ مندوفُ
كما شملت الأمسية مداخلات من الحضور، أدارها سعادة الكاتب/ سلطان المنيف أظهرت تفاعلًا كبيرًا وحوارًا غنيًا بين المشاركين.
وفي ختام الأمسية،عبّر الحاضرون عن شكرهم وامتنانهم للقائمين على الفعالية، مثمنين الجهود المبذولة في إثراء الساحة الثقافية، ومؤكدين على أهمية استمرار مثل هذه المبادرات التي تفتح آفاقًا جديدة للحوار والإبداع.