
✍️/بقلم الباحث الأستاذ
طارق عبدالله الفياض
إعداد عبدالله ناصر العيد
يقف جبل الثَّلِيمْ شامخًا على المدخل الشمالي لواحة الأحساء، مُطلًّا على مدينة العيون، ثالث كبرى حواضر المحافظة، كأيقونة جيولوجية وثقافية لا تنفصل عن ذاكرة المكان. هذا الصرح الطبيعي ليس مجرد تكوين صخري، بل شاهد على حضارات تعاقبت، ورمزٌ ألهم الشعراء وجذب أنظار الرحالة من الشرق والغرب.
الشعر يحكي.. والجبل يصغي
ابن المُقرب: حين تتحول الجغرافيا إلى قصيدة
خلّد الشاعر العيوني ابن المُقرب العيوني (ت. 629هـ / 1231م) وقيل 630 وقيل غير ذلك
وجبل الثَّلِيمْ في قصائد خالدة، ارتقى فيها بالجبل من مجرد معلم جغرافي إلى رمز يحمي تاريخ “حومة الأحساء” ويمثل عزّها وشموخها:
رعى الله الثَّلِيمَ وَساكِنِيهِ
وَأَرْوَى عَارِضًا بِالغَيْثِ دُونِيهِ
فَمَا أَعْلَى مُرَبَّعَهُ بِعَيْنِي
وَأَحْلَى مِنْ مَنَاظِرِهِ الرَّوِينِيهِ
جَبَلٌ يَشُمُخُ الْعَلْيَاءَ عِزًّا
وَتَحْمِي حَوْمَةَ الْأَحْسَاءِ فِي الدُّونِيهِ
وفي أبياته الأخرى، رسم معالم جغرافية وثقافية محيطة بالجبل:
• الجديدة:
“وَمَا حَلَّتْ رِكَابِي بِالْجَدِيدِ… إِلَّا أَصْبَحَتْ أَرْضُهُمْ مَرْعِيَّهْ”
و المقصود بـ”الجديد” في شعر ابن المُقرب هو ما يُعرف اليوم بـ”الجديدة”، وهي منطقة خصيبة تقع شمال مدينة العيون. كانت مركزًا لانطلاق القوافل البرية نحو العقير وهجر تميم والقطيف ونجد، ويُطل عليها جبل الثَّلِيمْ من علٍ. ويُرجّح أن الاختلاف في التسمية إما لأغراض الوزن الشعري أو نتيجة تطوّر الاسم بمرور الزمن.
• المُصلى (المسجد الأثري):
“وَمُصَلَّانَا بِالْعَيْشِ مَمْدُودٌ… لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أُفْقُ مُبْدِي”
و“المُصلى” هو المسجد الأثري الواقع شرق شمال مدينة العيون، على طريق العقير، وكان موضعًا للتجمع والصلاة في الأعياد والمناسبات قبل ان يدفن في الرمل لقرون ، ويمثّل بعدًا روحيًا وتاريخيًا لأهالي المنطقة.
• النقا:
“وَنَقْوَانَا إِذَا الْقَيْظُ اِحْتَدَى… بِظِلٍّ مُونِقٍ وَرَوْضٍ أَغَنِّ”
شرح: “النقا” تشير إلى المرتفعات الرملية المميزة التي تكسوها الظلال وقت الحر، وكانت موئلًا للراحة والسكينة في قيظ الصيف.
• الأجراع:
“وَمَا أَجْرَعُ إِلَّا جَنَّةٌ… تُرَوِّيهِ السَّمَاءُ بِغَيْثٍ هَطُولِ”
و“الأجراع” مناطق سهلية خصبة، شبّهها الشاعر بالجنة حين تُسقى بالأمطار، مما يعكس التناغم البيئي في قلب الواحة.
شهادات من الغرب: الثَّلِيمْ في عيون المستكشفين
• لوريمر (1908): «الثَّلِيمْ أبرز جبال الأحساء… شاهدٌ صامت على تحولات التاريخ.»
• تشارلز دوتي (1888): «جمالُه الوعر مرآةٌ لصلابة أهله.»
• ثيسيجر (1940): «يقف الثَّلِيمْ حارسًا يزاوج بين سردية التاريخ وجبروت الصحراء.»
من التراث إلى الاستثمار: خارطة تطوير متكاملة
- إحياء التراث الأدبي والبصري:
• إطلاق “مسار ابن المُقرب الثقافي” يربط بين الجبل والمعالم الشعرية مثل “النقا”، “الأجراع”، و”الجديدة”.
• لوحات تفاعلية تعرض الأبيات التاريخية وشهادات الرحالة عند سفح الجبل. - الطبيعة كمنصة للمعرفة:
• مسارات صخرية ذكية مزوّدة بلوحات أو شاشات معلوماتية عن تاريخ الثَّلِيمْ وتضاريسه.
• منصات مشاهدة تُطل على الأجراع الخصبة وواحات النخيل. - بيئة مستدامة وبنية ذكية:
• مرافق سياحية منخفضة الأثر البيئي قرب المُصلى (المسجد الأثري)، باستخدام الطاقة المتجددة.
لماذا جبل الثَّلِيمْ؟
• أرشيف حي: يوثّق قصائد وأوصافًا عمرها قرون.
• متحف مفتوح: يشهد على اهتمام الغرب بالمنطقة.
• رمز جغرافي: يمثل بوابة الأحساء من الشمال.
مما يوصلنا إلى الأثر المتوقع: من قمة الجبل إلى عمق التنمية
• أكثر من 500+ وظيفة مباشرة في قطاعات السياحة البيئية والزراعية ان نفذ وفق معايير الجودة المقترحة
• تحوُّل أخضر: قد يصل الى 70% من المرافق ستكون صديقة للبيئة.
• مجتمع مشارك: برامج تدريبية لأهالي العيون والأحساء وغيرهم لإدارة المواقع التراثية.
وللفائدة نختصر المادة العلمية
بأن جبل الثَّلِيمْ ليس مجرد معلم جغرافي، بل حكاية حضارية متصلة عبر الزمن.
وحين تتلاقى قصائد ابن المُقرب مع خرائط دوتي وثيسيجر، تولدُ مشاريع تنموية تحاكي روح المكان، وتُجسد وعود رؤية 2030 بتحويل التراث إلى مستقبل نابض بالحياة….






مقال جميل جمع بين الجغرافيا والتاريخ والأدب وعرفنا على بعض معالم الأحساء الجميلةً وتألق كاتبه في أسلوبه الأدبي الكتابي وشواهده الشعرية .
ومع أني ممرت على الثليم كثيراً ولكن هذا المقال عرفني عليه بشكل أكبر وجذبني إلى ذكرى زياراتي للأحساء الجميلة وعلاقتي بأهلها الطيبين وأعادني لتذكر جمالها وطبيعتها ومزارعها وهضابها ومدنها المتداخلة وقراها المتناثرة كعقد تداخل في بعضه أو كنجوم مجرة متقاربة وشوارعها وأسواقها وتجارها ومزارعيها وتاريخها المفعم بالبطولات وآثارها ومساجدها وقلاعها وبني عبدالقيس ومسجدهم جواثا ورحلة أجدادنا لجلب تمرها وكفاح الملك عبدالعزيز رحمه الله ومعركة كنزان الخالدة وطاعة ومحبة أهل الأحساء لوطنهم وكرمهم وتقديرهم لضيوفهم وزوارهم ، شكراً لأرض الخير (ماء وتمر ونفط وبحر وتعايش وهدوء وسعة فكر وبال وصدر وتعامل صادق وأخلاق راقية وتواضع جم )، حفظ الله الأحساء وأهلها.
شكراً شيخنا وأديبنا طارق الفياض على هذا المقال الذي أعادني لذكرى زيارتي الأولى للأحساء قبل ٣٥ عاماً ومازلت مفتون بها حتى هذه اللحظة .