
صحيفة همة نيوز ..
في أجواء أدبية مفعمة بروح الشهر الفضيل ، أُقيمت أمسية رمضانية للشاعر الأستاذ علي النحوي ، وسط حضور كبير من محبي الأدب والشعر من الجنسين .
أدارت الأمسية باقتدار كبير الدكتورة بشاير محمد ، التي استطاعت بأسئلتها العميقة فتح نوافذ الذكريات والمراحل التي شكّلت تجربة النحوي .
بدأ النحوي حديثه بالعودة إلى جذوره ، حيث نشأ في مدينة الجفر التي تسودها _ كعادة المدن الصغيرة _ القيم الدينية والتقاليد المحافظة ، ضمن أسرة ميسورة الحال .
كانت هذه البيئة الأولى التي زرعت فيه حب المعرفة والشعر .
لكن التأثير الأبرز في تكوينه الأدبي _ كما أشار _ كان لخاله صالح ، الذي أثرى مخيلته بالحكايات والروايات التي كان يرويها لهم وكانت أشبه بالنوافذ الأولى لمسيرته الأدبية .
تحدث النحوي عن بداياته الشعرية ، والتي كانت مع الشعر التقليدي قبل أن ينفتح على أنواع الشعر الأخرى مع اتساع قراءاته وتواصله مع تجارب الشعراء الآخرين آن ذاك .
ومن المحطات اللافتة في مشواره كانت شبكة هجر الثقافية _ كمال قال _ التي شكلت بداية تجربته في كتابة الشعر الغزلي ، وهي المنصة التي كانت تحظى بشهرة واسعة في عالم الإنترنت ، وتُعدّ ملتقى للأدباء والمفكرين والمثقفين من مختلف الاتجاهات .
وفي معرض حديثة عن تطور التجربة الشعرية في كتاباته اشار الى انها تحولات مبنية على قناعات فكرية عميقة، كما وصفها هو نفسه ، حيث كان لكل مرحلة قناعاتها الخاصة التي انعكست على إنتاجه الأدبي والشعري .
كان حديثه في هذا الجانب ثريًا ومليئًا بالتفاصيل ، مما جعل الجمهور مشدودًا إليه لأكثر من ساعة ونصف ، في تفاعل كبير مع محطات حياته الثرية بالافكار والاطروحات ، ومعاركه الفكرية التي خاضها خلال مسيرته .
كما تناول في حديثه حالة الساحة الأدبية الأحسائية في تلك الفترة ، مشيرًا إلى أنها لم تكن تتسع لكل الآراء والتوجهات الفكرية والشعرية ، حتى ضمن أضيق حدودها ، فحساسية المجتمع المفرطة من شعر الغزل مثلا كانت عائقا كبيرا في انطلاق مخيلة الشاعر للكتابة ،
وفي مقارنة بين المشهد الثقافي الأحسائي والساحات العربية الأخرى قال أن المشهد في الأحساء أكثر تحفظًا وأقل تقبلاً للتنوع في كل مجالاته الأدبية والثقافية .
في السياق ذاته ، حديث النحوي عن شبكة هجر الثقافية استحضر كل ما فيني من شجون وذكريات عن هذه الشبكة ، فأنا من الذين عاصروا نشأتها الاولى عندما ولدت من رحم شبكة “أنا العربي”
عندما اشترى احدهم الصفحة الدينية من تلك الشبكة وكانت بداية هجر الثقافية ، وأصبحت عدة صفحات كالدينية والادبية والحوار المعاصر ،
بعدها تحولت إلى ساحة للحوار الفكري والنقاشات الثقافية في كل الاتجاهات ، فأصبحت مشهدا ثقافيا جديدا ، تتصارع فيه كل التيارات الفكرية والثقافية غير المعروفة على أرض الواقع الأحسائي ، في مشهد لم يعتد عليه الجمهور الأحسائي آنذاك.
على الخصوص الحوارات الصاخبة في صفحة الحوار المعاصر ، والتي ضمت جميع أطياف الفكر الثقافية والعقائدية ، من العلمانيين والليبراليين والشيوعيين إلى التيارات الدينية بتنوعاتها المذهبية ، وحتى أصوات الإلحاد وجدت لها مكانًا في ذلك الفضاء الافتراضي الجديد .
هذه الحرية الواسعة في الطرح، رغم أنها أضافت الكثير للحراك الثقافي ، إلا أنها واجهت في البداية تحفظات شديدة من البيئة الأحسائية ، التي لم تكن معتادة على هذا النوع من النقاشات المفتوحة .
فقد كانت المواضيع تخوض في كثير من الموضوعات المسكوت عنها او ذات الحساسية العقائدية والفكرية دون استثناء .
لذلك أغلب أعضاء تلك المنتديات كانوا يكتبون بأسماء مستعارة ، خوفًا من ردود الفعل الاجتماعية التي كانت ترفض الاختلاف بكل أشكاله .
ولكنهم في نهاية المطاف، ورغم كل ما أثارته من جدل ، فتحت أبواب النقاش الحر في زمن كانت فيه حرية الفكر مقيدة بأسوار التقليد والوصاية والاستشراف ، فقد أتاحت حرية الاختلاف للجميع ضمن ضوابط الحوار واحترام الرأي الآخر .
في هذا السياق وفي هذا المشهد كانت تجربة شاعرنا النحوي التجربة الأدبية الغنية التي استحقت منا التوثيق .
فقد كانت الأمسية نافذة على تاريخ حقبة زمنية ثقافية ثرية بسياقات غير معتادة في الأحساء خصوصا ، والمملكة عمومًا .
بقلم الأستاذجعفر علي السالم