مقال الخميس

((ماذا تطمح أن يكون أخر سطر في حياتك)

صحيفة همة نيوز. :✍🏻شيخة الدريبي

الإنسان يبدأ حياته وهو صغيرًا، ليس بالحجم فقط بل بالعقل والأماني والحاجات، يكبر وتكبُر تلك الأشياء معه، ولا يكتفي بأساسيَّات العيش الَّتي تجعله حيًّا، ولا يقنع من الحياة بالقليل اونصيب متواضعٍ من السعادة فيطمح إلى مساحاتٍ أكبر بالقدر والقيمة والمكانة الاجتماعيَّة مما يولِّد عنده شيئًا اسمه الطُّموح.فالطُّموح له أوجهٍ عدة تختلف من شخصٍ وآخر فلا يتَّفق اثنان فمنَّ النَّاس من يرى قيمته بالعلم فيطمح أن يتزيد منه ما استطاع، ومنهم من يرى قدره بالمال فيسعى للحصول علية وآخرٌ يرى في عون النَّاس وفعل الخير هدفًا ساميًا يسمو به فيسعى ويسلك ما تيسَّر له من طرقٍ إلى الخير، لأنة يلتمس في سعادة النَّاس سعادةً له، وتقديرًاً لا يراه في مالٍ أو علم فمِن النَّاس من يجعل الحبِّ غايةً له في الحياة، فلا يروق له حالٌ إلَّا إذا التقى بمن يُحبّ واجتمع على الحبِّ فيكون قد ملك الدُّنيا وما فيها وبدون الحب يصبح حزينٌ وكئيبٌ ولايشعر براحةً فلقلوب ليست مستقرَ ولا على حالٍ واحدةٍ تتقلَّب وتتبدَّل بسبب او بغير سبب…

لذلك ان أعقل النَّاس مَن جعل غايته فيما فيه خيرٌ له وللنَّاس، وفيما يرى به مستقبلًا أفضل وعقلاً أرجح من علمٍ ومعارف وخبراتٍ اجتماعيَّةٍ ومال، وكثيرًا ما يخطئ الإنسان إذ يخلط بين الطُّموح والطَّمع فالطُّموح يسكن النَّفس الكريمة الَّتي تسعى إلى التَّقدم بكلِّ خيرٌ لها وللآخرين وتقتنع بما تؤتى وتعمل على زيادته، أمَّاالنَّفس الطَّامعة لا ترضى بماحصَّلت علية من خيرٍ وترغب في امتلاك كلِّ شيءٍرغبةً في الامتلاك لا أكثر، ولكي تَّمييز بين هذا وذاك يكون بالنِّيَّات من وراء المقصد بحيث لا يتحول الطُّموح إلى الطَّمع.وكلَّما تطلَّع الإنسان إلى منازل رفيعةٍ كان بلوغ غايته أصعب وأشق، فإنَّ الغاية الكبيرة تحتاج صبرًا كبيرًا وجهدًا كثيرًا ولولا ذلك لتساوى النَّاس في المنازل ولما تميزوا عن بعضهم البعض في القدر والمرتبة، فلا يصل إلى غايته إلَّا صاحب الهمَّة المؤمن بإمكانيَّة ويعرف كيف يتحدى الصعاب ويصل يومًا ما إلى ما يريد إيمان الإنسان بنفسه ومصيره أهمُّ عاملٍ في بلوغ الأحلام وتحقيق الأماني ومَن لا يؤمن بذاته لا يصل إلى غايةٍ وإن اجتهد ..

كذلك أن من حلم وتمنى دون ان يعملٍ ويسعى واكتفى برسم الأحلام والتَّمنِّي وبنى قصورًا في الرَّمل لن تتحقق كثيرًا ما نجد أشخاصًايحلمون ويرسمون آمالًا عريضةً لكنَّهم لا يكلِّفون أنفسهم مشقَّة المحاولة والسَّعي منتظرين أن تأتي تلك الأماني من تلقاء نفسها، قال الشَّاعر أحمد شوقي: (وما نيلُ المطالبِ بالتَّمنِّي ولكن تؤخذ الدُّنيا غلابا)وإن كُنتَ تطمح أن تصبح طبيبًا أو معلِّمًا أو أيَّ شيءٍ آخر فابدأ بما يحقِّق تلك الغاية مهما كانت بعيدةً، فإنَّ طريق الألف ميل يبدأ بخطوةٍ، ومهما بعدت عنك الأشياء يقرِّبها إليك الله سبحانه وتعالى بالنِّيَّة الصَّالحة والصِّدق والإخلاص في العمل والصَّبر على الشَّدائد، فلا تتوقَّع أن تصل إلى أمرٍ دون أن تتخطَّى مصاعب كثيرةً وتتجاوز العقباتٍ، ولا قيمة للطُّموح ما لم يكن صعب المنال، ولا تنشغل بالهمِّ عن متعة السَّعي والمسير قدمًا تجاه حلمك، فإنَّ الطَّريق غالبًا أهمَّ من الوصول إلى الهدف،فالغاية تبرِّر الوسيلة. كثيرًا ما تكون الوسيلة هي أصل الغاية،دون أن تكون مصالحنا على حساب مصالح الآخرين ودون أن نستغلَّ أحدًا حتى نبلغ أمانينا، بل إنَّ بلوغها بدعم المحبِّين أجمل وأسهل، فالمرء أقوى حين يكون محاطًا بالدَّاعمين فيصل إلى هدفه محاطًا بالحبِّ ويتجاوز العقبات بمعونتهم ممَّا يفرض عليه واجب عونهم على تحقيق مساعيهم وتخطِّي عقباتهم، فإنَّ السعادة لا تكتمل إلا بروح الجماعة ..

وتؤكِّد الدِّراسات النَّفسيَّة على أهميَّة الدَّعم وخاصَّةً في المراحل الأولى من عمر الإنسان، حيث يتمُّ التَّركيز على الدَّعم النَّفسيُّ الاجتماعيُّ ويُعطي شعورًا بالاستقلاليَّة والقدرة على تحديد وتحقيق الهدف في الحياة ويساعد في التَّطوُّر الشَّخصيِّ الَّذي يسهم في تحقيق الأهداف والطُّموحات وإنَّ أجمل نعمةٍ يحظى بها الإنسان أن يصل إلى ما سعى إليه وتمنَّاه وتكبَّد لأجله ويشعر كأنَّه كان حلمًا طويلاً عبره بخفَّةٍ وحصل على مفتاح مستقبله، وكلَّما كان الطَّريق أصعب صار الوصول أجمل، فالنَّاجحين والمؤثِّرين عبر تاريخ مرُّوا بظروفٍ صعبةٍ وليالٍ حالكة السَّواد حتى حازوا على أماكن مرموقةً تجعلهم فخورين بماوصلو إليه فالإنسان يبقى حيًّا بقيمته وما يخلِّفه من أثر جميل في حياته، فيبقى وبعد أن يفنى جسده ويبقى اسمه مسجل على صفحات التاريخ بالأماني الَّتي أسهم في تحقيقها حتى وإن لم يكن موجود…

عبدالله بورسيس

عن عبدالله بورسيس

شاهد أيضاً

شركة لؤي الصالح تستضيف برنامجاً تدريبياً للإسعافات الأولية

Share this on WhatsApp فريق التحرير صحيفه همه نيوز في إطار مسؤوليتها المجتمعية، استضافت شركة ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com