
صحيفة همة نيوز : بقلم / عبدالله بن حمد المطلق ..
شهر رمضان المبارك شهر الخير شهر الرحمة والمغفرة ، شهر التواصل بين الأهل والجيران والأحباب ، شهر القرآن ، حيث يعتبر هذا الشهر فرصة لتلاوته وتدارسه ، شهر فضيل يأتي بأفضاله وخيراته ، ما أجمل هذا الشهر الكريم ، حيث رحماته تكسو قلوب المسلم بالطيبة والأريحية السمحة ، كل مسلم ومسلمة قلوبهم عامرة بالإيمان ، فتراهم في مناجاة مع ربهم ، تراهم في صلاة التراويح ، وصلاة القيام والتهجد ، وما أجمل أن ترافق الزوجة زوجها لصلاة التراويح يعمر قلوبهم الإيمان وتتآلف الأرواح في خلوة إيمانية مابين ركوع وسجود ، وكذلك الأبناء مع والديهم يدعون ربهم ويناجونه بأفضل الأدعية وأطيبها ولسانهم يلهج بذكر الله .
أما العادات والتقاليد في الماضي التي مازال بعضها موجود والبعض منها أصبح في طي النسيان !!
الذكريات تجر الذكريات وعندما تقابل الكبار من الآباء والأجداد والأمهات وتسمع منهم ذكرياتهم ، وهم يروون لك بعض ذكرياتهم كأنهم يعيشون الماضي ، ويجعلونك تعيش معهم فما أحلى الذكريات وريحة الماضي .. فماذا قال لنا الآباء والأجداد من ذكريات في الأحساء ؟؟
- المسحر :
اعتاد الناس في رمضان سماع صوت المسحر الذي يطوف الشوارع والأزقة من أجل إيقاظ الناس للسحور والناس نيام ، حيث لايوجد في الماضي مثل وقتنا الحاضر من ملهيات ، الناس لايسهرون حتى الصباح أما في الماضي فقد كان المسحر هو الوحيد الذي يطوف على المنازل وهو يذكر الله وهي مهنة عظيمة فقدناها في وقتنا الحاضر وأصبحت في طي النسيان !! - ختم القرآن :
يحرص الناس في رمضان الإكثار من قراءة القرآن كشفاء ورحمة وذكر لله ، ولكن مع بداية كل شهر يتم قراءة القرآن الكريم بشكل جماعي ، كل ليلة بيت واحد من الجيران أو مايسمى ختم القرآن ( الختمة ) ثم الدعاء للأموات بالرحمة والمغفرة ، ولكن الحمد لله الآن الناس يقرؤون القرآن في كل وقت وفي كل حين لأن بذكر الله تطمئن القلوب .. ولكن مسمى ختمة أصبحت من الماضي ويقرأ كل مسلم ومسلمة القرآن الكريم للتدبر والتفكر في آياته ومخلوقاته فهو دستورنا . - قبل الإفطار وتوزيع النقصة :
من العادات القديمة المتوارثة في شهر رمضان لأهالي الاحساء عادة تبادل الأطباق بين الجيران وهي ما تسمى بالنقصة , وهي تلك العادة التي تضفي على المجتمع مزيدًا من الترابط والألفة والمحبة , فمنذ القدم عرف أهالي الأحساء هذه العادة , فقبيل حلول المغرب وقبل الآذان بوقت كافي إعلانا ببدء موعد الإفطار ، يسارع الأطفال بحمل أطباق الوجبات المختلفة إلى الجيران وهي عادة قديمة متوارثة عند الأجداد تعرف باسم «النقصة» .
وفي الغالب يقوم الأطفال بتوجيه من أهاليهم بمهمة حمل وتوزيع هذه الأطباق إلى الجيران والأقارب الذين يستقبلون هذه الأطباق ويأبون إلا أن يردوها ممتلئة بما طهوا في بيوتهم في الحال أو في اليوم الثاني ،، في مشهد يتكرر طوال الشهر الكريم , وعادة تحتوي هذه الأطباق على الأكلات الشعبية الأحسائية الخاصة برمضان ومن أهمها الهريس, والجريش واللقيمات والشعيرية والثريد .
حيث تشتهر منطقة الأحساء بأكلاتها الشعبية التي حافظت عليها رغم تعاقب الأجيال على غرار باقي مناطق المملكة العربية السعودية ومحافظاتها ، التي لا تزال تسجل حضورها القوي أمام الوجبات والأطباق الحديثة ، ومن أهم الوجبات الشعبية التي لا يزال الأحسائيون يطهونها «الهريس» التي تعد أبرز الأكلات الشعبية الرمضانية.. والبعض يصنعها يومياً .
وتحرص المرأة الأحسائية على إعداد هذه الوجبة المميزة بمذاقها وفوائدها الصحية ، وتتكون وجبة «الهريس من القمح واللحم المبهر، اللذين يطبخان معاً ويتركان حتى ينضجا ثم يهرس اللحم مع حَب القمح بقطعة خشبية تسمى «المضرابة» حتى تختلط، ثم يُضاف إليهما الدهن البقري الذي يُكسبهما مذاقاً خاصاً , حيث تحرص المرأة الأحسائية على نقصة الهريس إلى الجيران والاقارب بالإضافة إلى بقية الأطباق الأخرى» .
وتعد «النقصة» عبارة عن انتقاص جزء من الفطور وإهدائه للجيران والأقارب تعبيرا عن المشاركة والمحبة في هذا الشهر الفضيل , ومع أن هذه العادة تركزت في القرى أكثر من المدن إلا أنها قاومت الإندثار، وأن عادات شهر رمضان القديمة ظلت محصورة في القرى الصغيرة خاصة وأن أغلب قاطنيها تربطهم علاقة جيرة قوية منذ القدم ويتداخلون مع بعض بشكل كبير لذا نجد هذه العادات صامدة فيما بينها.
- القرقيعان :
عندما تمضي العشر الأولى من ليالي رمضان من كل عام ، يُهرع أولياء أمور الفتيان الصغار والفتيات فيتسابقون إلى محلات بيع الحلويات والبسكويتات الصغيرة في حجمها والغالية في ثمنها ، فتمتلئ صالات بعض البيوت بالأشكال والألوان والأكياس استعدادا لليوم الرابع عشر من هذا الشهر الكريم ، هذا اليوم الذي يلبس فيه الأطفال ملابس فلكلورية ذكورا وإناثا وهذه الحركة الطفولية تمتد على مساحة الخليج العربي من الكويت شمالا إلى عُمان جنوبا، فإذا خرجت إلى الشارع رأيت ألوانا عجيبة وامتلأت عيناك بالألوان الزاهية التي اكتسى بها الأطفال، فانتشى بها الشارع جمالا وامتلأ سمعك بالأهازيج الطفولية، هذا اليوم قادم إلينا من عقود من السنين اسمه (يوم القرقيعان.
أما في الأحساء فيبدأ «القرقيعان» من وقت الظهيرة ، وينتهي عند أذان المغرب .. ونظراً لحرارة الجو في وقتنا الحاضر أصبح القرقيعان يمارس من بعد صلاة المغرب أو بعد التراويح حيث يطوف الأطفال «بنين وبنات» الأحياء في المدن والبلدات ، وهم يرددون بعض الأناشيد منها :
- «قرقع قرقع قرقيعان عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم».
كان هذا في السابق أما في هذا العصر فإن الزمان قد تغير ، إذ صارت السيارات هي التي تزف الأطفال من بيت إلى بيت وتحمل أثقالهم القرقعانية .
وانتقل وقت القرقيعان من الظهيرة إلى المغرب فتبدل ذلك إلى ما بعد التراويح حتى الساعة 12 ليلا.
وفي يوم القرقيعان يلبس أطفال البلدة أحلى ما عندهم من الملابس الجديدة ويفضلونها بيضاء بالنسبة للأولاد وكل لباس جديد بالنسبة للبنات، حيث يعلقون على رقابهم أكياسًا صغيرة يجمع فيها كل ما حصلوا عليه أثناء الطواف في البلدة من حب ومكسرات وحلويات وكل بيت يدخلونه لابد من ترديد هذه العبارة : (قرقع قرقع قرقيعان) فإذا جاوبهم أهل البيت أخذوا نصيبهم ، أما إذا لم يجبهم أهل البيت فيعبرون بامتعاض عن عدم رضاهم فإذا امتلأ كيس أي طفل يذهب إلى بيته ويفرغه ، ثم يبدأ يقرقع من جديد ، وفي مساء يوم القرقيعان يجلس الأطفال مع أهليهم وذويهم ويذكرون كل من أعطاهم وفرحهم في هذا اليوم الوحيد في السنة ، وهذا له تأثير من الناحية الإجتماعية بين جميع أهل البلدة من حيث الترابط والتكامل الإجتماعي ، أيضا في مساء يوم القرقيعان يبدأ بعض الأسر تبادل القرقيعان فتكلف الأسرة أحد أطفالها بإيصال القرقيعان إلى بيت فلان وتلقنه عبارة: (يسلمون عليكم أهلي وهاكم قرقيعان أخي الصغير ويسميه أو يسميها اذا كانت بنت ) وهكذا بقية الأسر يتبادلون القرقيعان، وهذا يدل على الترابط والتعارف بين جميع عوائل وأسر بلدتي .
- المسحر له فرحتان يوم القرقيعان ويوم العيد :
هذه بعض الذكريات ليوم القرقيعان نقلته لكم كما عايشته وعايشه غيري على أيام الطفولة البريئة ، وحتى هذا العصر الذي يشاركنا فيه المسحر الذي يجوب شوارع البلدة ليجمع (القرقيعان) الخاص من تمر وأرز ومازالت هذه العادة موجودة في بلدتي قبل سنتين ولكن الان تبدل الحال واصبح الماضي من الماضي !!!
والبعض يحرص على أن يكون القرقيعان مميزا بعمل بعض الكروت والبطاقات والأكياس أو كرتونة مطبوعا عليها صورة الطفل أو الطفلة ، وفي كل سنة يتغير وقت القرقيعان حسب أجواء يوم الرابع عشر من رمضان، ونظرا لحرارة الجو في منطقة الخليج العربي ، حيث يبدأ الأطفال بعد غروب الشمس المرور على الأزقة والأحياء، والبعض يبدأ بعد صلاة التراويح، يدخلون تلك البيوت المفتوحة وهم ينشدون : أهزوجة جميلة فيها براءة، وفيها العبارات التي تجبر سامعها على العطاء لهؤلاء الأطفال ، الذين دخلوا هذا البيت وهم يرددون تلك الأهزوجة.
وعندما تقوم بجولة في أحياء وأزقة مدن وبلدات المدن والقرى ترى منظرا جميلا ، جميع أنوار المنازل مضاءة وبعض المنازل مزدانة ببعض الديكورات الجميلة المصنوعة من سعف النخيل ، وأطفال وطفلات ينتقلون من شارع إلى آخر ومن حي إلى حي ، وهم في عز الفرح وفي يد كل طفل أو طفلة كيسة من البلاستيك أو كيسة من القماش المزكرش، هذا المنظر يجبرك على أن تقف عنده .
كذلك المسحر يشارك الأطفال القرقيعان بطوافه في الأزقة والشوارع لجمع ماتجود به أيدي الأهالي المحسنين ، ليعوضوا هذا المسحر جراء تعبه في الليالي التي قام بالتسحير فيها من أجل إيقاظهم للسحور ، فهو يحرص على أن يطوف الأزقة ومعه طبله الذي يطبل عليه بطبطة ويردد كلمات فيها في يوم القرقيعان ويوم العيد .
أما الآن. أصبح المسحر من الماضي ولم يكن له وجود الا بدعوة من الآباء أو الأمهات في منزلهم الخاص في يوم القرقيعان .