
صحيفة همة نيوز : بقلم زاهي الخليوي ..
تحتفل المملكة العربية السعودية في 22 فبراير بذكرى عزيزة وهي يوم التأسيس ، والمراد به يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله في عام 1139 هـ / 1727 م
وقد حدد وسط ذلك العام 30 / 6 / 1139 هـ / 22 /2 / 1727 م ليكون يوماً يحتفل فيه بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى .
وقد تولى الإمام محمد بن سعود أمارة الدرعية عام 1139 هـ / 1727 م ، أي قبل 295 عام ميلادي .
ونعود بالوراء لبداية البداية ، حيث كان إنشاء الدرعية أولى محطات آل سعود في عام 850 هـ بعد أن قدم مانع بن ربيعة المريدي إلى ابن عمه علي بن درع الذي يملك حجر والجزعة ، فأقطع المليبيد وغصيبة لابن عمه مانع المريدي ، لتكون هذه هي نواة الدرعية بعد أن نزلها وعمرها وكثر جيرانه.
بعد وفاة مانع المريدي قام في مكانه ابنه ربيعة فتوسع ملكه وحارب آل يزيد أهل النعيمة والوصيل ، ثم خلفه ابنه موسى فقويت الدرعية في زمنه ، وضم النعمية والوصيل بعد طرد آل يزيد منها ، ثم توالى عليها ابناءه وأحفاده ، فإبراهيم ثم مرخان ، ثم مقرن وربيعة ابني مرخان ، ثم مرخان بن مقرن بن مرخان ، ثم كان انقسام الدرعية لشقين بعد قتل وطبان بن ربيعة لابن عمه مرخان بن مقرن واستولى على غصيبة ، فقتله محمد بن مقرن بعد ذلك ، واستمرت غصيبة في يد آل مقرن ، وتوفي محمد بن مقرن 1106 هـ وخلفه ابنه سعود بن محمد الذي توفي 1137 هـ ، وتلاه أخوه مقرن بن محمد .
ثم في عام 1139 هـ تأمر الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن ، وفي نفس العام قتل زيد بن مرخان أمير أحد شقي الدرعية ، فضم الإمام محمد بن سعود شقي الدرعية تحت أمارته ووحدها بعد الإنقسام .
ورغم أن الدرعية كانت قرية إلا أنها كانت من القرى المعدودة التي لها شأن وقوة ونفوذ لكثرة سكانها ، بل عدّ المؤرخ مقبل الذكير أن أقوى قرى نجد التي تهجم ولا يهجم عليها أربعة وهي : الدرعية – الرياض – ثرمداء – الدلم ، ومما يؤيد ذلك أنه في عام 1020 هـ ذكر المؤرخون وفاة قاضي الدرعية الشيخ موسى بن عامر بن سلطان الدوسري ، ووجود قاضي دليل على كثرة السكان وازدحام المصالح مما أحوجهم لقاضي ، ودليل على قوة السلطة التنفيذية في أمارة الدرعية لتطبيق أحكام القاضي .
وعن القوة الإقتصادية في الدرعية ففي عام 1099هـ ذكر المؤرخون عام رخاء سمّي “سنة حمدة” كثر فيها كثر العشب والفقع , والجراد , ورخص الزاد رخصاً عظيماً بيع التمر عشرين وزنة بالمحمدية , وبيع في الدرعية ألف وزنة بأحمر .
وقد أرخ السنة المذكورة عبد الله بن علي بن سعدون , وهو إذ ذاك بالدرعية فقال :
بحمد الإله وشكر نعج لسحب تثج وأرض تمج
وتمر ثلاثة أصواعه بدفع المحلق فيها تزج
وبر فحرف بوسقينه وتاريخه “ذا كساد يشج”
والأحمر عملة ذهبية تساوي الريال الفرنسي تقريبا ، والمحمدية عملة نحاسية تساوي 0.5% من الأحمر ، والحرف عملة فضية تساوي 5% من الريال الفرنسي ، والوسق يساوي ستون صاعاً .
وقد أرخ ذلك بعبارة ( ذا كساد يشج ) وهي تعادل عام 1099 في حساب الجُمّل بعد تحويل الأحرف لأرقام .
وقد كان للإمام محمد بن سعود مشاركات إقليمية منذ بداية أمارته ، ففي عام 1139 هـ وهو عام تأمره ، قاد بنفسه مع زيد بن مرخان ودغيم بن فايز المليحي السبيعي تحالفاً لغزو العيينة .
وفي عام 1151 هـ تأمر في الرياض دهام بن دواس الشعلان ثم قامت ثورة شعبية ضده في الرياض ، فاستنجد بالإمام محمد بن سعود فأرسل أخاه مشاري بن سعود لنجدته ، وفك عنه الحصار وأخمد الثورة ، وبقي عنده ثلاثة أشهر حتى توطدت الأمور له وقوّى مركزه ونفوذه فيها .
وفي عام 1157 هـ بعد أن أُخرج الشيخ محمد بن عبدالوهاب من العيينة ، توجه إلى الدرعية لعلمه بقوة ونفوذ أميرها وأنه يستطيع حمايته ليقوم بهذه الدعوة المباركة للتوحيد وإنكار البدع ومحاربتها ، وكان الإمام محمد بن سعود مبادراً لنصرة هذه الدعوة لحسن سريرته ، فبادر وقدم إلى الشيخ في بيت تلميذه ابن سويلم احتراماً لمكانته ولم يرسل لاستقدامه ، وكان أن اتفقا على نصرة هذه الدعوة القائمة على نشر التوحيد محاربة البدع ، فبذل الإمام محمد بن سعود الغالي والنفيس في سبيل ذلك ، وقد صبر وصابر حتى أتم الله هذا الأمر ودانت جزيرة العرب له ولذريته ، وقد قدم الكثير من التضحيات في سبيل هذه الدعوة المباركة ومنها مقتل ابنيه سعود وفيصل في معاركه مع الرياض ، وقد اتسعت رقعة هذه الدولة المباركة حتى شملت نجد ، ثم اتسعت شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ، فدانت لها الأحساء ، ودخلت غالب بلاد الخليج العربي ، وضمت الحجاز ، وبلغت شمالاً حتى نهر الفرات ، وبلغت جنوباً إلى وسط اليمن وحضرموت ، وعرض عليها وزير بغداد أن يدفع سنوياً 30 ألف مثقال ذهب ، وكان يسير فيها الراكب على جمله بطولها وعرضها لا يخشى أن يؤخذ له شيء من متاعه ، وتضيع الناقة فلا تجد إلا من يحفظها حتى يوصلها لمالكها ، ويسقط المتاع سهواً من صاحبه فلا تجد من يتعدى عليه بأخذه في هذه الصحراء المقفرة .
وقد توالى على الدولة السعودية الأولى أئمة كرام ، فبعد وفاة الإمام محمد بن سعود 1179 هـ ، تولى ابنه الإمام عبدالعزيز حتى قتل غدراً وهو يصلي في المسجد عام 1218 هـ ، تلاه ابنه الإمام سعود حتى توفي عام 1229 هـ ، وخلفه ابنه الإمام عبدالله بن سعود حتى سقطت الدرعية في زمنه 1233 هـ فأخذ إلى الأستانة وقتل هناك عام 1234 هـ
ولما كان آل سعود هم قدر جزيرة العرب ، فقد بدأ ابن معمر بإعادة هذه الدولة واحياءها فنزل في الدرعية أواخر عام 1234 هـ وكاتبه أهل البلدان وبايعوه لقربه من الأسرة بالمصاهرة ، وقدم عليه تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود وأخوه زيد ، فلما قدم عليه الإمام مشاري بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود في جمادى الآخرة عام 1235 هـ تنازل له ابن معمر عن الولاية وبايعه ، ولكن ابن معمر ندم على تنازله فانقلب على الإمام مشاري بن سعود وقبض عليه وسجنه عند عشيرته وتولى زمام الأمور ، وراسل الترك فأقروه ووعدهم تسليم مشاري بن سعود لهم ، فقام الإمام تركي في ربيع الأول من عام 1236 هـ وقبض على ابن معمر وراسل عشيرة ابن معمر محاولاً منع تسليم مشاري بن سعود للترك لكنهم أبوا فسلموه وسجن في عنيزة ومات في سجنه ، فتولى الإمام تركي فقدمت عليه جيوش الترك وحاصروه فخرج من الرياض وأصبح يجول في نجد بمن معه فاستولى على ضرما 1237 هـ ، وكانت له وقائع مع الترك ومن معهم ، وفي 1238 هـ استولى على عرقة ومنفوحة ، وقدم عليه بعض رؤساء البلدان وبايعوه ، وفي 1239 هـ دانت له غالب قرى نجد فحاصر بهم الرياض وأخرج الترك منها ، وأعاد هذه الدولة لسابق عزها في 1240 هـ ، وخلفه ابنه الإمام فيصل بن تركي بعد مقتل والده أواخر 1249 هـ ، ثم كانت الولاية في ابناء الإمام فيصل بن تركي بعد وفاته 1282 هـ ، تداولها الإمام عبدالله والإمام سعود وابناؤه ، وآلت في النهاية للإمام عبدالرحمن بن فيصل حتى كان سقوط الدولة السعودية الثانية في 1309 هـ .
ولم تلبث 10 سنوات حتى قام الضرغام والبطل الهمام عبدالعزيز الإمام ، فأعاد ملك آبائه وأجداده ودخل الرياض في 5 شوال 1319 هـ ، وأقام العدل وحكم بالشريعة ، ولا زلنا نرى ثمرات تضحياته وجنوده المخلصين للمّ شمل هذا الوطن وتوحيده بحمد الله وفضله فجزاهم الله عنا خير الجزاء .
وقد نظمت أرجوزة في هذه الأسرة المباركة وفي نسبها وهي :
ياسائلاً عن نسب الملوكِ
كالدرّ أو كالذهب المسبوك
أكرمهم ربي بخدمة الحرم
وصون شرع الله من بين الأمم
تسلسل الملوك والأئمة
بنصرة الدين وهمِّ الأمة
مليكنا سلمان نصر السنة
حزمٌ لكل المسلمين جُنّة
ولي عهدٍ خيرُ عونٍ وسندْ
وأسرةٌ كالدرعِ صوناً للعهدْ
وقبله إخوانه خمسٌ مضوا
تسلسلوا بالملك أرضوا ورضوا سعود ثم فيصل فخالدُ فهد فعبدالله ملكٌ تالدُ أبناء ذاك الملك الإمام
عبدالعزيز الأسد الضرغام
بعد الشتات وحّد الجزيرة
أقام شرع الله والشعيرة
وعابد الرحمن ذاك والده
هو الإمام كثرت محامده
ابن الإمام الفيصل المجرّبِ
ثم ابن تركي ذاك ربُ الأجربِ
أعاد ملكاً قد تهاوى واضمحلْ
والبدر لا ينقص إلا إن كملْ
ثم ابن عبدالله ليثٌ في الوغى
كم قاد جيشاً وأذل من بغى
والده الإمام محي السنة
محمدّ ملاعب الأسنة
سعودها محمد الكريمُ
فمقرنٌ مرخان إبراهيم
ابنٌ لموسى ثم من ربيعة
فمانع المشهور بن ربيعة
ذاك المريدي باني الدرعية
في نصف قرن التاسع الهجرية
وأصله ينمى إلى حنيفة
قبيلةٌ عريقةٌ منيفة
أدام ربي عزهم وأبّدا
لنصرهم دين النبي أحمدا
منظومة من نسج حرف زاهي
بذكرهم حُقَّ لها التباهي
منظومةٌ وافيةٌ مختصرة
بعدّهم فريدةٌ مفتخرة
والحمد حمداً جل عن إحصاءِ
لله أهل الحمد والثناءِ
مصلياً على رسول الله
والآل والصحب بلا تناهي.
*زاهي الخليوي
عضو الجمعية التاريخية السعودية