الرئيسية > أخبار السعودية > مفارقة أزمة منتصف العمر.. بين محطات التوقف ومرافئ الانطلاق….

مفارقة أزمة منتصف العمر.. بين محطات التوقف ومرافئ الانطلاق….

✍️/بقلم فؤاد عبدالله الحمد

يأتي منتصف العمر كوقفة طويلة أمام مرآة الزمن، حيث يلتفت الإنسان إلى ما أنجزه، ويتساءل عمّا تبقى له من طريق. هي ليست مجرد سنواتٍ متقدمة في العمر، بل منعطف يختبر فيه المرء صلابته الداخلية وقدرته على إعادة ترتيب أوراقه، بين أحلامٍ تساقطت على رصيف الواقع، وأمنيات لا تزال ترفرف في أفق الأمل.

إنها لحظة يختلط فيها الحنين بالمراجعة، ويجتمع فيها الماضي مع الحاضر على طاولة واحدة، يضعان أمام الإنسان كشف حساب طويل: نجاحات تُورّث الفخر، وإخفاقات تُثير الأسى، وتجارب تتأرجح بين العبرة والعزاء. عندها تشتد الأسئلة: هل مضى العمر عبثاً؟ هل يمكن استعادة ما فات؟ وهل الطريق المتبقي يتسع لأحلام مؤجلة؟

في هذا المفصل الحساس، قد يواجه البعض غيوماً من القلق وشكوكاً في المعنى، فينشدون مخرجاً عبر مغامرات غير محسوبة، أو تغييرات جذرية قد تُربك استقرارهم. وآخرون يرونه محطة للانكسار والانسحاب من سباق الحياة. غير أن الحكمة تكمن في تحويل الأزمة إلى فرصة، والخيبة إلى مراجعة، والقلق إلى وقود يمدُّ القلب بطاقة جديدة.

إن أزمة منتصف العمر ليست لعنة كما يتصور البعض، بل هي نعمة متخفية، توقظ الوعي وتستفز الإرادة وتدعو إلى صوغ حياة ثانية أكثر اتزاناً وامتلاءً. هي «جرس تنبيه» يذكّر الإنسان بأن العمر ليس مجرد أيام تُستهلك، بل رسالة تُستثمر.

ولعل أجمل ما يمنحه منتصف العمر، أنه يضع الإنسان بين ضفتين: ضفة خبرة ماضية تكفل وضوح الرؤية، وضفة مستقبلية لا تزال قابلة للغرس والحصاد. بينهما يكتمل نضج الذات، وتترسخ قيمة التوازن بين طموحٍ مشروع ورضا متحقق، بين اندفاع القلب وحكمة العقل.

إننا أمام معبر يقتضي من الإنسان أن يواجه ذاته بصدق، وأن يتصالح مع ما فات دون أن يستسلم له، وأن يمضي بثبات نحو ما هو آتٍ، بروحٍ أكثر هدوءاً، وعقلٍ أكثر نضجاً، وإرادة أكثر رسوخاً. فمنتصف العمر ليس محطة النهاية، بل بداية لرحلة ثانية، قد تكون أكثر إشراقاً إن أُحسن استثمارها.

عبدالله العيد

عن عبدالله العيد

شاهد أيضاً

جمعية بديع لصحة البيئة البحرية تُجسد موسم التشجير الوطني نظرياً وعملياً

Share this on WhatsApp صحيفه همه نيوز عبدالله سعد بورسيس تزامنا ً مع موسم التشجير ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com