سيّاله … ساحة الذاكرة وميدان الوعي في مدينة الطرف..

صحيفة همة نيوز : بقلم أ. عبدالله حمد المطلق ..
في قلب مدينة الطرف، حيث تتقاطع الحارات القديمة وتتنفس الأزقة عبق الماضي، تتربع براحة سيّاله كأحد أبهى المعالم الشعبية والتاريخية، ليست مجرد فسحة مفتوحة، بل ذاكرة حية وملتقى اجتماعي وثقافي .
شهد على عقود من التوعية والعمل الأهلي والتعاون المجتمعي.
في ثمانينيات القرن الماضي، ومع تزايد الحاجة إلى نشر الوعي الصحي والبيئي والزراعي في قرى ومدن الأحساء .
لعب مركز التنمية الاجتماعية بالأحساء – الذي كان مقره آنذاك في مدينة الجفر – دورًا محوريًا في تنفيذ برامج توعوية بالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة المعارف ووزارة الزراعة.
وقد اختيرت براحة سيّاله في مدينة الطرف لتكون المحطة الأبرز لهذه الفعاليات، لما تتميز به من موقع مركزي يجمع الأهالي كبارًا وصغارًا.
في تلك الأمسيات، كانت تعرض على جدران البراحة شاشات سينمائية كبيرة تصاحبها مكبرات صوت عالية، تُقدَّم من خلالها أفلام تثقيفية عن الصحة العامة، وأساليب الوقاية من الأمراض، وأهمية النظافة، وإرشادات زراعية حديثة.
كان المشهد مدهشًا لأبناء الطرف، حيث كان بعضهم يتساءل بدهشة:
كيف تجتمع الصورة والصوت في هذا السحر الضوئي؟
جاءت هذه الجهود في وقت كانت فيه البيئة المحلية تواجه تحديات صعبة، أبرزها المستنقعات والمياه الراكدة الناتجة عن الأمطار والمياه السطحية، والتي شكّلت مصدرًا للأوبئة.
ولذا، كان لهذه الحملات أثر بالغ في رفع مستوى الوعي، خاصة بعد إشراك طلاب المدارس في حملات النظافة العامة، تحت إشراف وزارة المعارف، وبالتعاون مع الجهات الصحية والتنموية.
لم يقتصر دور مركز التنمية على التوعية الصحية والزراعية، بل امتد ليشمل دعم الحرفيين وأصحاب المهن الشعبية، من خلال تنظيم معارض في المركز أو في منازلهم، وزيارات ميدانية لتحفيزهم وتقديم الدعم المادي واللوجستي ، بعض هؤلاء الحرفيين واصل مسيرته، فيما اضطر آخرون لترك مهنتهم تحت وطأة الظروف المعيشية.
كما كان للمركز دور فاعل في تنشيط الحركة الرياضية، عبر دعم الأندية الريفية في الأحساء، وتشجيع الشباب على ممارسة مختلف أنواع الرياضة، إيمانًا بأن الصحة الجسدية ركيزة للتنمية المجتمعية.
هكذا، غدت براحة سيّاله أكثر من مجرد ساحة؛ كانت ميدانًا للوعي، ومنارة للتنمية، وذاكرةً نابضة بالقصص الملهمة، حيث اجتمع فيها أهالي الطرف على المعرفة، كما اجتمعوا على الكرم والنخوة، لتظل شاهدة على زمنٍ صاغته الإرادة الجماعية رغم محدودية الإمكانيات..
وهذه نبض المشاعر
ترسل كلماتٍ من نظمٍ عذب، تحمل عبق الماضي وصور الذاكرة، وتسافر بنا إلى براحة سيّاله في قلب الطرف،
حيث التقت العقول على الوعي،
والقلوب على النخوة،
لتروي لنا حكاية مكان… صار ميدانًا للتنمية:
في قلبِ طرفٍ تجلّتْ ساحةُ الذِّكرى
تُهدي الزمانَ حكايا المجدِ والفِكرا
براحةٌ ضمّتِ التاريخَ في يدِها
وراحتِ الهمّةَ البيضاءَ تُنتشرا
في الثمانينِ بدا وعيٌ يُنيرُ لنا
دربَ الصحاحِ ويُقصي الجهلَ والخطرا
من مركزِ الخيرِ في الأحساءِ قد قدمتْ
برامجُ النورِ، تدعو العقلَ والبصرا
وزارةُ الصحّةِ الزهراءُ ساندها
معارفُ الخيرِ، والزّراعةُ الغَرّا
فانبثقتْ شاشةٌ في الليلِ ناصعةً
تُري العيونَ طريقَ الحقِّ مُختصَرا
أفلامُ وعيٍ، وصوتُ النُّصحِ مرتفعٌ
كالبدرِ يَسري على الأسماعِ مُنتشرا
يا طرفُ، قد كنتِ في الوعيِ منارةَ مَن
يبني العقولَ، ويُحيي الخيرَ مُفتخِرا
حتى غدتْ سيّالةُ الذكرى مآثِرُها
حرفًا من المجدِ، لا يُمحى ولا يُجرى..
….
