
صحيفة همة نيوز : بقلم أ. ماجد إبراهيم الغنيم ..
كانت الحياة قد أطبقت على أبي فارس بخناقها !
ضاقت به السبل، وأظلمت الدنيا في عينيه !
كان يمر بضائقة مالية قاسية، لم يترك بابًا إلا طرقه، ولا قريبًا إلا استنجد به.
تارة يجد وعودًا سرعان ما تتبخر، وتارة يواجه صدودًا قاسيًا، وأحيانًا أعذارًا واهية!
حتى الأصدقاء، الذين كانوا يومًا سنده، تخلوا عنه، فلفظوه ..
الفقر كما يلفظ البحر جثة هامدة !!
أصبح وحيدًا، غارقًا في دوامة من التفكير الحائر، ماذا يفعل؟
كان موعد سداد دينه قد حان، وجيبه خالٍ، لا يملك درهمًا واحدًا !
الأدهى من ذلك، أن أبناءه يتضورون جوعًا !!
ثلاثة أيام مضت، لم يجد لهم شيئًا يسد رمقهم. . في ليلة حالكة، كادت تطحن قلبه وعقله من شدة الألم والعجز، خرج من بيته بلا وجهة، لا يعلم إلى أين يذهب ؟
ومن يشتكي له ؟ ومن يطلب منه العون. !كان جسده يسير بين الناس، وقلبه وعقله في مكان آخر تمامًا، يحمله همٌّ كالجبال!!
ظل يهيم على وجهه، حتى وجد نفسه عائدًا إلى عتبة بيته.
توقف عند الباب، قدمٌ في الداخل وأخرى في الخارج، ووسوس له الشيطان، بصوت خبيث يكاد يسمعه:
“لماذا لا تسرق؟ لن يراك أحد!” خمس دقائق مرت عليه وكأنها دهر !!
وهو يتأرجح بين اليأس المدقع وفكرة لم يطاوعه ضميره عليها !
ثم جاءه صوت من الأعماق، أقوى من وساوس الشيطان: “الله يراني!” تعوذ من إبليس الرجيم، ودخل بيته.
ألقى بجسده على فراشه، محاولًا النوم، لكن عقله ظل يقظًا، تعصف به الهموم.
لم تمضِ لحظات حتى استيقظ. قام وتوضأ، ثم وقف بين يدي رب. صلى ركعتين، ودعا الله بخشوع لم يعرفه من قبل. كان يسجد، ويدعو، حتى كاد يغلبه النعاس وهو في محرابه.
يقول أبو فارس: “كنت أشعر بماء بارد نزل على صدري، وغلبني النعاس وأنا ساجد.”
في صباح اليوم التالي، رن هاتفه كان المتصل رجلًا لم يتواصل معه منذ ثلاث سنوات.
قال له الرجل: “رأيتك في المنام أمس، وعلمت زوجتي، فقالت لي: ‘ربك كاتب له شيئًا عندك، اتصل به واعرف أخباره’.”
عندما سمع الرجل صوت أبي فارس، ألح عليه بطلب اللقاء.
التقيا مساءً، وبعد حديث طويل، لم يخبره أبو فارس عن ضائقته، أو ما حل به.
لكن الرجل أقسم عليه أن يعرف عندما علم أبو فارس بما يمر به،
قال له الرجل بحسم:
“خير! هيا بنا نرجع.” في نفسه، قال أبو فارس: “لقد سمع شكواي وهمي، وسوف يصد عني كما فعل غيره.
كلهم يعرفون همومي، ثم يصدون ويتركونني.”
لم تمضِ نصف ساعة بعد صلاة العشاء، حتى حضر الرجل ومعه ظرف.
أعطاه لأبي فارس وقال: “ادعُ لصاحب هذا الظرف.” ومضى. عندما فتح أبو فارس الظرف، وجد فيه مبلغًا أكبر بخمس مرات مما كان يحتاجه لسداد دينه!
عاد إلى نفس المكان الذي صلى فيه الركعتين وسجد، وخر ساجدًا شكرًا لله على تفريج كربته بأكثر مما كان يتوقع.
كانت تلك المرة الأولى التي يصلي فيها صلاة قيام الليل، وكانت سببًا في فتح أبواب الرحمة عليه من حيث لم يحتسب.
أدرك أبو فارس حينها أن باب الله لا يغلق أبدًا، وأن بعد كل عسر يسرًا، وأن الإيمان الصادق هو مفتاح الفرج.