
صحيفة همة نيوز *
منذ أن دخلت شبكات التواصل الاجتماعي إلى تفاصيل يومنا، تغيّر الكثير. تواصلنا أصبح أسهل، ومساحات التعبير باتت أوسع. لكنها، في المقابل، حملت بين طيّاتها أبوابًا مفتوحة على مصاريعها…
بعضها مشرّع على أمراض لا تُرى، لكنها تنهش النفس بهدوء.
لم يكن أحد يتخيّل أن تمريرة سريعة للإبهام قد تؤدي إلى قلق مزمن، أو أن مقارنة عابرة بصورة مثالية قد تزرع بذور الاكتئاب، أو أن تعليقًا جارحًا قد يترك جرحًا أعمق من كلمات قيلت في الواقع. إنها ساحة تواصل، نعم، لكنها في كثير من الأحيان ساحة صراع داخلي صامت، خاصة في غياب الوعي والضبط.
المشكلة ليست في الشبكات نفسها، بل في طريقة استخدامنا لها. حين تصبح الشاشة مرآتنا الوحيدة، والمتابعون مقياس قيمتنا، واللايكات غذاء يومنا، فهنا تبدأ الأزمة. نُصاب بما يُعرف بـ”اضطراب المقارنة”، فنرى الجميع ناجحين، جميلين، سعداء… وننسى أن ما نراه مجرد قصاصات مختارة بعناية من حياة الآخرين.
وما يُفاقم المشكلة، هو تعلق الأطفال والمراهقين بهذه الشبكات في سنّ التكوين، قبل أن تتشكّل هويتهم الذاتية بصلابة. فتتكوّن فيهم سلوكيات كالعزلة، التشتت، التوتر، وربما العدوانية أو الاكتئاب. بل إن بعض الدراسات تربط بين الإفراط في استخدام هذه المنصات وارتفاع معدلات إيذاء النفس بين المراهقين.
فما الحل؟ هل نغلق هذه المنصات؟ لا. بل نستخدمها بوعي.
إليك بعض الخطوات العملية لحماية نفسك وأبنائك:
- ساعات محددة: لا تترك الباب مفتوحًا طوال اليوم، خصص وقتًا محددًا لاستخدام السوشيال ميديا.
- محتوى نقيّ: تابع من يُلهمك ويضيف لقيمك، لا من يستهلكك نفسيًا.
- حديث عائلي صريح: افتح مجالًا للحوار مع أبنائك عن التأثيرات النفسية الخفية لهذه المنصات.
- أنشطة بديلة: اغرس هوايات حقيقية، تلامس الواقع وتُنشّط الجسد والعقل.
- قدّم القدوة: كن أنت أول من يُحسن الاستخدام، فالتربية تبدأ بالنموذج.
ختامًا، السوشيال ميديا ليست عدوًا، لكنها قد تصبح كذلك إن تركناها تتحكم بنا بدل أن نتحكم بها. فهل نراجع عاداتنا الرقمية اليوم، قبل أن نحصد آثارها غدًا؟
*بقلم أ. فؤاد بن عبدالله الحمد