
صحيفة همة نيوز : بقلم أ. ماجد إبراهيم الغنيم ..
في رحلة العمر، نسير أحيانًا مثقلين بأوزار غير مرئية، تقيد خطواتنا وتعيق انطلاقنا.
أشباح الماضي تحوم حولنا، تلون حاضرنا بلون الشجن وتسرق منا بهجة اللحظة. وفي الأفق البعيد، تتراءى لنا عوالم مثالية، نسعى إليها بخيال جامح، ناسين أن الخطوة الأولى نحوها تبدأ هنا، الآن.
قلوبنا تخفق وجلاً أمام المجهول، ترسم سيناريوهات قاتمة لمستقبل لم يأتِ بعد، فتتجمد عزائمنا وتتأخر خطواتنا.
وبين كل هذا وذاك، تتراكم علينا واجبات وأحلام مؤجلة، نلوذ ببطء الوقت، ظانين أن الغد سيحمل معه سحر الإنجاز، بينما اليوم يمضي فارغًا، شاهدًا على ترددنا.
يبدو أن في أعماق كل منا نزعة نحو الكمال، أو ربما خوف دفين من النقص.
هذا السعي أو هذا الخوف قد يدفعنا دون وعي إلى التشبث بما مضى، خشية ألا نبلغ ما نصبو إليه، أو إلى الانغماس في تصورات مثالية تهرب بنا من مواجهة الواقع بمسؤولياته، أو إلى تأجيل اللحظة الحاسمة خوفًا من العجز أو الفشل.
إنها تلك الهمسات الخفية التي تسحبنا إلى الخلف، وتلك المخاوف التي تشل حركتنا، وتلك التصورات الوردية التي تبعدنا عن واقع العمل، وتلك الوعود الكاذبة التي نمنحها لأنفسنا بتأجيل كل شيء إلى حين.
هذه القوى الخفية، وإن لم تُذكر بأسمائها الصريحة، هي سجانة أرواحنا، تقيد طموحنا وتحجب عنا نور التقدم.
لكن فجر التحرر يبزغ عندما ندرك هذه الظلال التي تتبعنا.
عندما ننظر إلى الوراء لا لنغرق في الأسى، بل لنتعلم ونمضي. عندما نستقبل المستقبل لا برعب الانتظار، بل بإيمان العمل.
عندما نحول الأحلام من سراب بعيد إلى خطوات قريبة.
وعندما نستبدل “سوف” بـ “الآن”.
إن الانتصار الحقيقي يكمن في كسر هذه الأغلال الصامتة. في التحرر من ثقل الأمس، وقلق الغد، وسحر الأوهام، وشلل الإرادة.
عندما نستطيع أن نحيا اللحظة بكامل وعينا، وأن نسعى نحو أهدافنا بخطوات واثقة، وأن ننفض عن كاهلنا غبار التأجيل، حينها فقط يشرق نور التحرر في دروب حياتنا.
تأمل مليًا: أي من هذه الظلال الخفية تخيم على دربك الآن؟
وهل ترى رابطًا بينها وبين سعيك للكمال أو خوفك من النقص؟
وما هي الشرارة الأولى التي ستقدح نور حريتك؟