
صحيفة همة نيوز
عبدالله ناصرالعيد
✍️ /بقلم /الباحث في التاريخ
الأستاذ /طارق بن عبدالله الفياض…
قبيلة بني عبد القيس إحدى القبائل العربية العريقة ذات الجذور العميقة في ربيعة بن نزار، مما يجعلهم أبناء عمومة للقبائل العربية الأخرى في إقليم البحرين، مثل بكر بن وائل وتميم وإياد. وقد لعبت هذه القبيلة دورًا رئيسيًا في تاريخ شرق الجزيرة العربية، ليس فقط في الاستيطان والزراعة، ولكن أيضًا في السياسة والحروب والفتوحات الإسلامية.
عُرفت بني عبد القيس بشجاعتهم وقوتهم في القتال، مما جعلهم قوة رئيسية في الفتوحات الإسلامية إلى جانب قادة عظام مثل قتيبة بن مسلم وغيرهم من القادة المسلمين. كما امتد تأثيرهم السياسي ليشمل تأسيس الدولة العيونية، التي كان حكامها من بني عبد القيس، والتي انطلقت من واحة العيون لإنهاء حكم القرامطة الباطنيين واستعادة الأمن والاستقرار في إقليم البحرين.
وقد كانت مداخلتي في ندوة “وفد عبد القيس إلى النبي ﷺ بين التراث والأدب” هي أصل هذه المقالة، التي تهدف إلى التوسع في تاريخ إقليم البحرين وواحاته وقصباته الكبرى، وإبراز الدور المحوري الذي لعبته قبيلة بني عبد القيس في نشأة هذه المنطقة واستقرارها منذ العصور القديمة وحتى الفترات الإسلامية اللاحقة.
واحة العيون: أول مساكن بني عبد القيس في البحرين
تشير المصادر التاريخية إلى أن قبيلة بني عبد القيس كانت تسكن في الأصل غرب الجزيرة العربية، في مناطق تهامة ونجد، قبل أن تهاجر شرقًا نحو البحرين خلال القرن الرابع الميلادي، وذلك بسبب النزاعات القبلية والرغبة في الاستقرار في بيئة زراعية أكثر خصوبة.
عند وصولهم إلى البحرين، كانت واحة العيون أول مساكنهم، حيث وجدوا فيها العيون الفوارة التي تنبع من الأرض، والتي جعلت منها إحدى أغنى الواحات بالمياه العذبة في الإقليم. وقد نص البلدانيون على وفرة مياه العيون فيها، مما جعلها نقطة استقرار رئيسية لبني عبد القيس، ومن ثم توسعوا إلى مناطق أخرى في البحرين مثل القطيف والجبيل والعقير.
استقروا في واديي الستارين، وسكنوا جنبًا إلى جنب مع بني تميم، بني بكر، وإياد وغيرهم من قبائل البحرين. وقد أصبحت العيون مركزًا رئيسيًا لعبد القيس، ومنها انتشروا إلى مناطق أخرى في الأحساء والقطيف.
ومن هنا، انطلقت مقولة “عرف النخل أصحابه”، تعبيرًا عن مدى ارتباط بني عبد القيس بالنخيل والزراعة التي ازدهرت في العيون بفضل مهاراتهم في الري والاستصلاح الزراعي.
المسجد الأثري في واحة العيون
لا تزال واحة العيون تحتفظ بآثار إسلامية بارزة تعكس تاريخها العريق. ومن بين هذه المعالم المسجد الأثري في العيون، وهو مسجد قديم يعود إلى الصدر الأول للإسلام. يختلف هذا المسجد عن مسجد جواثا، حيث يُعد من أوائل المساجد التي شُيدت في المنطقة بعد انتشار الإسلام بين بني عبد القيس. يشير هذا المعلم إلى التحول الكبير الذي شهدته واحة العيون بعد دخول الإسلام، حيث أصبحت نقطة ارتكاز دينية وثقافية مهمة في البحرين.
علاقة بني عبد القيس بالموانئ الخليجية والتجارة البحرية
إلى جانب استقرارهم في الداخل، كان لبني عبد القيس حضور قوي على سواحل الخليج العربي، حيث امتد نفوذهم إلى موانئ القطيف ودارين والجبيل والعقير، التي كانت تعدّ شرايين التجارة البحرية في البحرين. وقد تميز خط عبد القيس، الذي يضم القطيف، بكونه جزءًا رئيسيًا من حواضره وموانئه، حيث شكل نقطة وصل بين التجار العرب والفرس والهنود.
• القطيف: كانت مركزًا تجاريًا رئيسيًا، حيث ازدهرت فيها الأسواق البحرية وتصدير التمور واللؤلؤ.
دارين: كانت بمثابة مرفأ رئيسي لعبد القيس، حيث كان يتم استيراد البضائع القادمة من الهند وشرق إفريقيا، ثم توزيعها على بقية الجزيرة العربية.
الجبيل: شكلت نقطة عبور للسلع المتجهة إلى الداخل، مثل واحة العيون وهجر.
العقير: كان أحد أقدم الموانئ في الخليج، حيث استخدمته القبائل في التجارة مع بلاد الرافدين وفارس.
عبر هذه الموانئ، استطاع بنو عبد القيس فرض سيطرتهم الاقتصادية على المنطقة، حيث نشطوا في تجارة التمور، اللؤلؤ، والخيول العربية، كما كانوا بارعين في الملاحة البحرية، مما جعلهم جزءًا لا يتجزأ من شبكات التجارة الإقليمية.
بنو عبد القيس والفتوحات الإسلامية
لم يقتصر دور بني عبد القيس على التجارة والزراعة، بل كانوا من أوائل القبائل التي شاركت في الفتوحات الإسلامية. فقد كان لهم دورٌ بارزٌ في توسع الإسلام إلى بلاد فارس وخراسان وما وراء النهر.
• شاركوا مع قتيبة بن مسلم في حملاته لفتح بلاد ما وراء النهر (آسيا الوسطى اليوم)، وكان لهم دور في معارك حاسمة ضد الفرس والأتراك.
• كان لهم وجود قوي في البصرة، حيث استوطن كثير من رجالهم هناك بعد الفتوحات.
• لعبوا دورًا مهمًا في تثبيت الحكم الإسلامي في إقليم البحرين والعراق، حيث كان منهم ولاة وأمراء خدموا الدولة الإسلامية في مراحلها المختلفة.
الدولة العيونية والقضاء على القرامطة
كان العيونيون من بني عبد القيس، وهم منسوبون إلى واحة العيون، التي كانت مقرهم الأول قبل انطلاقهم إلى حكم البحرين. وقد نشأوا في ظل الأوضاع المضطربة التي سببها القرامطة الباطنيون، الذين فرضوا حكمًا قاسيًا على المنطقة، مما دفع العديد من القبائل للتمرد عليهم.
انطلقت العيونيون من واحة العيون، بقيادة عبد الله بن علي العيوني، واستطاعوا إنهاء حكم القرامطة الدموي في البحرين بعد معارك طويلة. بمساعدة بني عبد القيس والقبائل العربية الأخرى، تمكنوا من استعادة الحكم الإسلامي السني، وأسسوا دولة قوية في المنطقة، لتكون العيون مركزًا لإدارة البحرين من جديد.
آثار عين قناص: شهادة على الحضارات القديمة
لا تقتصر الأهمية التاريخية للعيون على فترة الإسلام وما قبله مباشرة، بل تمتد إلى آلاف السنين قبل الميلاد. في موقع عين قناص الأثري، عُثر على آثار تعود إلى حضارة العبيد (4500-3100 ق.م)، والتي تمثل مرحلة انتقالية بين مجتمعات الصيد والزراعة المبكرة.
تشير الاكتشافات إلى وجود مستوطنة بشرية متكاملة تضم منازل بدائية وحظائر ماشية، مما يدل على أن المنطقة كانت مأهولة منذ فترات موغلة في القدم. كما تُظهر اللقى الأثرية المكتشفة تواصل العيون مع حضارات دلمون وبلاد الرافدين، مما يثبت أن هذه المنطقة كانت جزءًا من شبكة تجارية أوسع منذ العصور القديمة
واليوم، تستمر هذه الأرض في الحفاظ على هويتها التاريخية تحت مظلة الدولة السعودية المباركة، حيث يحظى التراث الإسلامي والتاريخي برعاية كبيرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان. وهكذا، تظل واحة العيون وموانئ عبد القيس شاهدًا على تاريخ يمتد عبر الأزمان، وحضارة صنعتها أيدي الأجداد، وحاضر يبنيه الأحفاد بروح الفخر والانتماء.
