
و معكم ، يتجدد بنا اللقاء من جديد وفي الحلقة الرابعة عشر من زمان رمضان في الأحساء
✍️/وبقلم رئيس مجلس إدارة صحيفة همة نيوز
الأستاذ /عبدالله بن حمد المطلق….
مع بداية غروب شمس الأصيل من اليوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك من كل عام ، ومع غروب ذلك اليوم ، ويتحول ذلك الوهج والكوكب المضيء إلى كتلة ذهبية في غرب السماء ، حيث يبدأ يرسل أشعته الذهبية إلى الأرض ، هنا بدأت حركة تدب على الأرض ، وكأن الشمس القت خيوطها الذهبية على الأرض ، حيث بدأ الأطفال يتحركون على هدى هذه الخيوط الذهبية ، في حركة سباق مابين الأطفال صغار وكبار، كل يريد أن يأخذ نصيبه من هذه الخيوط التي توشحت بها البيوت 00وهم يرددون كلمة شعبية وعربية قبل الدخول إلى المنازل :
قرقع قرقع قرقيعان
عطونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكم
يا مكة يا معمورة
يا أم السلاسل و الذهب
يانوره
عطونا من مال الله
يسلم لكم عبد الله
عطونا قحفة ميزان
يسلم لكم عزيزان
باب الكرم ما صكه
ولا حط له بوابة
- ومن الأهازيج :
( قرقع 00قرقع 00قرقيعان –
عطونا الله يعطيكم –
بيت مكة يوديكم
– يوديكم لهاليكم
– ويلحفكم بالجاعد
– عن المطر والرعد )
فاهازيج القرفيعان التراثية تردد في كل الشوارع والأزقة والمنال والأحياء
فقبل الدخول الى المنزل يردد الأطفال كلمة قرقيعان ثلاثا قبل الدخول وكأنها من باب الاستئذان قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) 0
وهذه آداب شرعية ، أدب الله بها عباده المؤمنين ، وذلك في الإستئذان أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ، أي : يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده ، وينبغي أن يستأذن ثلاثا ، فإن أذن له ، وإلا انصرف 0
نعم هذا تصرف أطفالنا يوم القرقيعان ، لايدخلون بيوتا الا اذا كانت مفتوحة ، أو يقرعوا الباب او يقرعوا الجرس ، فإن فتحوا الباب دخلوا ، وإن لم يفتحوا إنصرفوا ، ولكن طيبة الناس في الأحساء ، أن لايكسروا بخاطر من تعنى وطرق بابهم فيرحبون بهم ، والبعض يطلب منهم أن يردد أهازيج القرقيعان ليسمعوها ويسمعوا أطفالهم 00هذه العادة الشعبية المتأصلة في محافظة الأحساء قديمة هي عادة ، وليست عبادة ، ولم ترتبط بأي اعتقاد متداول ، وإنما هي عادة منتشرة في الخليج العربي 0
وفي يوم القرقيعان يلبس الأطفال أحلى ماعندهم من الملابس التراثية القديمة ، من الثوب للأطفال ، والإزار والبخنق والدراريع المرصعة بالشكل التراثي للبنات
00ماأجمل هذا المنظر عندما تتأمله وكأنهم يعيدون لنا ماضينا القديم ، يشاركهم الجميع من رجال ونساء كل باصطحاب اطفاله ، وهم يجوبون المنازل التي يعرفونها ، ولا يدخلوا المنازل إلا بعد الإستئذان كما ذكرنا 0
وبدأ القرقيعان بسيطا في الماضي ، ثم تطور شيئاً فشيئاً ، حيث بدأ الناس الترتيب والإعداد له كل حسب حالته المادية بأشكال وبحركات متداخلة ، مابين الماضي والحاضر مابين أصالة التراث القديم ، وأصالة الحاضر المتجدد بأشكاله وألوانه ، في رسالة بأن هذه العادة ستستمر كل عام يحييها كل من يعشق الماضي ، ويحييها كل من تعلق قلبه بهذا التراث الأصيل ، مثلها مثل الألعاب الشعبية 0
وعندما أصف لكم مارأيته في مدينتي ، التي كانت في الماضي قرية صغيرة نجوبها في أقل من ساعة ، أصبحت مدينتي مشرعة الشوارع ومتسعة الأحياء ، يحتاج للتنقل إما مشياً خاصة الأحياء القديمة ذات الأزقة القديمة ، وهي التي فيها عبق الماضي ، أو التنقل بالسيارة في الإنتقال في الأحياء الجديدة ، ومع ذلك القرقيعان تظل عادة متأصلة ، تناقلها الآباء والأمهات من الأجداد والجدات ، فماذا أصف لكم عن ليلة من ليالي رمضان يطلق عليها ( القرقيعان ) :
عندما تقف عند الباب في العصر أو في الليل ، وترى جموعا من الأطفال يلبسون ملابسهم التراثية يمرون أمامك ، وهم يرددون أهزوجة القرقيعان ، تشعر بنشوة الفرح والسرور ، أن هذه العادة الشعبية رغم مرور السنين لم تندثر !! فهاهم أطفالنا يحيونها ينتقلون من بيت إلى بيت مثل النحل الذي يجمع الرحيق ليجني منه الإنسان العسل ، هاهم أطفالنا في منظر جميل ، وفي ترابط أسري ، ترى العجب العجاب !!يشاركهم الكبار .. وتتزين المنازل بأنواع الزينة إما من القماش او الانورالملونة المضيئة
تركت سيارتي في أحد المواقف ، ومشيت راجلاً في أحياء الديرة القديمة لأرى كيف تكون الحركة في الديرة ! حقيقة أشعر بالحنين إلى الماضي ، وأرى الرجال يصطحبون اطفالهم ، وكذلك النساء يحملون الأطفال الصغار ، وتتدلى من الأطفال كيسة ليجمع فيها القرقيعان .. وترى في كل شارع بسطات فيها مالذ وطاب من أنواع المشروبات – النامليت – العصيرات – الفيمتو – وأنواع أخرى من الحلويات كلها توزع مجانا على كل من يمر عليهم في الاحياء القديمة والأحياء الحديثة ، وترى الإبتسامة لاتفارق محياهم .. والبعض يستأجر الفرق الشعبية البسيطة في يوم القرقيعان لتعطي جو القرقيعان نغمات الفرح والفرفشة وهم يلبسون الزي التراثي القديم من الغترة والطاقية والإزار – والأدوات التراثية القديمة مثل : المناسف – الزبلان – الفوانيس .
والبعض يكتفي بتشغيل الاهازيج المسجلة عبر السماعات الكبيرة التي تعطي المكان جو القرقيعان التراثي ..ويشارك المسحر في يوم القرقيعان حيث كان يجهز الطبل وعربة القاري التي يجرها الحمار فيجوب الشوارع التي مر عليها للسحور من اجل جمع مايمكن جمعه من العطايا التي يقدمها أصحاب المنازل التي مر عليها .. وهو يطبطب على الطبل الذي يحمله بنغمات تختلف عن نغمات التسحير ..ولنا وقفة مع المسحر والقرقيعان .