
صحيفة همة نيوز : عبدالله المطلق ..
مع بداية غروب شمس الأصيل من اليوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، حيث بدأت الشمس في الغروب ، وتحول ذلك الوهج والكوكب المضيء إلى كتلة ذهبية في غرب السماء ، حيث بدأ يرسل أشعته الذهبية إلى الأرض ، هنا بدأت حركة تدب على الأرض ، وكأن الشمس القت خيوطها الذهبية على الأرض ، حيث بدأ الأطفال والكبار يتحركون على هدى هذه الخيوط الذهبية ، في حركة سباق مابين الأطفال صغار وكبار، كل يريد أن يأخذ نصيبه من هذه الخيوط التي توشحت بها البيوت .. وهم يرددون كلمة شعبية وعربية قبل الدخول إلى المنازل ( قرقيعان ..قرقيعان .. قرقيعان ) يرددونها ثلاثا قبل الدخول وكأنها من باب الاستئذان قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) .
وهذه آداب شرعية ، أدب الله بها عباده المؤمنين ، وذلك في الإستئذان أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ، أي : يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده ، وينبغي أن يستأذن ثلاثا ، فإن أذن له ، وإلا انصرف .
نعم هذا تصرف أطفالنا يوم القرقيعان ، لايدخلوا بيوتا الا اذا كانت مفتوحة ، أو يقرعوا الباب او يقرعوا الجرس ، فإن فتحوا الباب دخلوا ، وإن لم يفتحوا إنصرفوا ، ولكن طيبة الناس في الأحساء ، أن لايكسروا بخاطر من تعنى وطرق بابهم فيرحبون بهم ، والبعض يطلب منهم أن يردد أهازيج القرقيعان ليسمعوها ويسمعوا أطفالهم ..هذه العادة الشعبية المتأصلة في محافظة الأحساء والمنطقة الشرقية قديمة هي عادة ، وليست عبادة ، ولم ترتبط بأي اعتقاد متداول ، وإنما هي عادة منتشرة في الخليج العربي .
وفي يوم القرقيعان يلبس الأطفال أحلى ماعندهم من الملابس التراثية القديمة ، من الثوب للأطفال ، والإزار والبخنق والدراريع المرصعة بالشكل التراثي للبنات .. ماأجمل هذا المنظر عندما تتأمله وكأنهم يعيدون لنا ماضينا القديم ، يشاركهم الجميع من رجال ونساء كل باصطحاب اطفاله ، وهم يجوبون المنازل التي يعرفونها ، ولا يدخلوا المنازل إلا بعد الإستئذان كما ذكرنا .
وبدأ القرقيعان بسيطا في الماضي ، ثم تطور شيئاً فشيئاً ، حيث بدأ الناس الترتيب والإعداد له كل حسب حالته المادية بأشكال وبحركات متداخلة ، مابين الماضي والحاضر مابين أصالة التراث القديم ، وأصالة الحاضر المتجدد بأشكاله وألوانه ، في رسالة بأن هذه العادة ستستمر كل عام يحييها كل من يعشق الماضي ، ويحييها كل من تعلق قلبه بهذا التراث الأصيل ، مثلها مثل الألعاب الشعبية .
وعندما أصف لكم مارأيته في مدينتي ، التي كانت في الماضي قرية صغيرة نجوبها في أقل من ساعة ، أصبحت مدينتي مشرعة الشوارع ومتسعة الأحياء ، يحتاج للتنقل إما مشياً خاصة الأحياء القديمة ذات الأزقة القديمة ، وهي التي فيها عبق الماضي ، أو التنقل بالسيارة في الإنتقال في الأحياء الجديدة ، ومع ذلك القرقيعان تظل عادة متأصلة ، تناقلها الآباء والأمهات من الأجداد والجدات ، فماذا أصف لكم عن ليلة من ليالي رمضان يطلق عليها ( القرقيعان ) :
عندما تقف عند الباب في الليل ، وترى جموعا من الأطفال يلبسون ملابسهم التراثية يمرون أمامك ، وهم يرددون أهزوجة القرقيعان ، تشعر بنشوة الفرح والسرور ، أن هذه العادة الشعبية رغم مرور السنين لم تندثر !! فهاهم أطفالنا يحيونها ينتقلون من بيت إلى بيت مثل النحل الذي يجمع الرحيق ليجني منه الإنسان العسل ، هاهم أطفالنا في منظر جميل ، وفي ترابط أسري ، فرأيت العجب العجاب !!
تركت سيارتي في أحد المواقف ، ومشيت راجلاً في أحياء الديرة القديمة لأرى كيف تكون الحركة في الديرة ! حقيقة أشعر بالحنين إلى الماضي ، وأرى الرجال يصطحبون اطفالهم ، وكذلك النساء يحملون الطفال الصغار ، وتتدلى من الأكفال كيسة ليجمع فيها القرقيعان .. وتسمع أصوات الطبول والطيران وهم يقرعونها باليد او العصي ..
فبعض الاسر تحرص على تزيين منازلها بألوان وزينة .. وكان يوم الرابع عشر من عام 1445هـ وهو يوم القرقيعان ترى الشوارع مزدحمة صغار وكبار .. وترى الأطفال وهم يلبسون الأزياء الشعبية .. ولودخلت داخل المنازل ترى العجب العجاب من حسن تنظيم وترتيب وترى العديد من الحلويات والمكسرات بأنواعها .. حينها تذكرت هذا الييت ليت الشباب يعود يوما ..لنعيد هذه الذكريات الجميلة ونمشي مع هؤلاء الأطفال والشباب لنجدد أهازيج القرقيعان التي بتنا نسمعها من أجهزة التسجيل صوتا وصورة ..ونرى واجهة المنازل تزدان بالزينات والأنوار التي تتلألأ .
