الفنون الشعبية في الأحساء 2-2
صحيفة همة نيوز : أ. عبدالله حمد المطلق ..
وفي إحدى المقابلات مع أحد الرجال الذين أعرفهم ويعرفهم رجال الطرف ، لما عرفته عنه بانه يحفظ بعض الفنون ، وخاصة الفن الذي يعشقه في فن البناء ، وفي فن البر على الزمالة ، وهم ينتقلون من موقع إلى آخر لجمع الحطب ، أو لقطع الجص وحمله على ظهور الحمير ، فقد أبحر بي في كبد البر وهو ينشد مما يحفظه بألحان عذبة شجية تجبر المستمع أن ينصت ويسمع هذا الفن ، من رجل عاش أيام آبائه وأجداده ، هاهو ينقل ماورثه منهم من إرث فني ، وعطفاً عليه ولما أصابه من ذكريات ، لأني هيضت شجونه ، لذا حاولت أن أوقف الحوار، حتى لا أثقل عليه لأني رأيت دموعه تنزل من عينيه !!
ورواية أخرى أرويها لأحد الشعراء الذين يعشقون العرضة ، ويهيمون فيها ، حتى أصبح شاعراً ، دعوته من أجل التعرف على العرضة وأنواعها ، ولماذا يعشق العرضة ، حضر إلى منزلي بعد صلاة العشاء ، وهو يقول زوجتي الآن في المستشفى حيث تعيش في لحظة مخاض ، قلت له إذهب إلى زوجتك وبعد ذلك التقي معك مرة أخرى .. فقال أنا وعدتك ، ووعد الحر دين ، تعجبت منه فقلت له : أنا في صدد الكتابة عن العرضة وأعرف منك لماذا يعشق الآباء والأجداد العرضة ؟
فأقول حادثة رواها لي فقال :
كان يعمل في خارج منطقة الأحساء ، وبالتحديد في مدينة الظهران ، وفي ذات ليلة من الليالي التي يتسامرون فيها ، ويتزاورون فيما بينهم ، قال أحد الحضور : إذا توفي ( الشيبان ) في الطرف سيموت نشيد فن العرضة ؟ ! فرد عليه شاعرنا عبد الوهاب بن إبراهيم الشعيبي رحمه الله ، فقال : لا…. لن يموت والشباب هم الذين سيرثون هذا الفن أباً عن جد ، وتذكر هذا الكلام بعد عمر طويل إن شاء الله ، فتمثل بقصيدة مطلعها :
قال الشعيبي قول لادوَر يبين
متهيَض بالقول عدل بالكلام
ومن ذلك اليوم حتى هذا اليوم ، والفن يتطور تطوراً كبيراً ، بفضل حب الشباب لأهازيج العرضة ، وحبهم للفن ، لذلك أصبح شاعرنا أيضاً يطوره ، ويكتب الشعر حتى ذاع صيته وأصبح من الشعراء المشهورين ، وصدق كلام شاعرنا ، فصار شعره يردد في العرضة ، وأما قصائده الأولى كبداية أي شاعر يتغنى وأحياناً بالمديح الحسن .
وصدق الشاعر في كلامه ، ففن العرضة مازال يحافظ عليه جيل الشباب جيل اليوم ، وتقام في مختلف المناسبات في الأفراح والأعياد والمناسبات الوطنية والمهرجانات السنوية التي تقام في داخل الأحساء وخارجها ، وفي مختلف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، وعلى مستوى العالم ، والعالم العربي خاصة .
ومن الروايات التي أرويها أيضا مقابلتي مع أحد الرجال الذين يعشقون فنون البحر الرجل عبدالله بن محمد الذياب رحمه الله ، عندما زرته في منزله بعد صلاة العشاء دخلت عليه ورحب بي ترحيباً حاراً ، عرفته بنفسي ، وأوضحت له أني أرغب في الإستماع إلى بعض الفنون البحرية التي كنت دائماً ترددها ، حيث روي لي بأنك أحد الفنانين الذين يجيدون الكثير من فنون البحر ، وغيرها من الفنون الأخرى ، وأعرف أنك تملك فرقة للفن الشعبي كان لها صيتها في البراريم ، تنهد تنهيدة !! شعرت بأني جرحته جرحاً غائرا !! ومع ذلك واصل الترحيب بي ، وكان الجو بارداً جدا ، فقال : أدن من الوجاغ ، حيث هو مكان مخصص لوضع الحطب لعمل القهوة والشاي ، رغم كبر سنه إلا انه أصر أن يقوم بنفسه بعمل القهوة ، ونحن نمد أيدينا من أجل نتقي جو البرد ، تذكر في هذه اللحظة ، وضع الطبول والطيران على النار من أجل تهيئتها للضرب عليها ،
ونحن نشرب القهوة ، بدأ الرجل يذكر لي أنواع الفنون البحرية التي كان تقال في مختلف المناسبات ، وخاصة أثناء الغوص وكانت آلة التسجيل قد بدأت بتسجيل صوت الرجل وهو يتحدث ، وكلما ذكر فناً تنهد تنهيدة حرى ، وبلحن شجي ، فذكر لي الكثير من أنواع الفنون البحرية ، والفنون الأخرى ، التي سوف أتحدث عنها في هذا الكتاب إن شاء الله .. شكرته وودعته على أمل أن ألتقي معه مرة أخرى .
ومن الذين تم مقابلتهم الشاعر خالد بن علي المشرف رحمه الله ، شخصية ورث الفن عن أجداده ، فهو يعشق الشعر ويعشق الفن الشعبي ، وينضم الشعر بحسب نوع الفن ، إن كان في فن العرضة ، أو فن السامري ، وغيرها من الفنون الشعبية ، فإن جالسته واستمعت له ،فإنك تجبر بأن تحترمه ، وتصفق له ، وشخصيته تجبر من يلتقي معه أن يقدر هذا الرجل ، فهو إذا جلس في مجلس من المجالس يفتخر بتاريخ أهله ومدينته الطرف ، ويطرب إذا طلب منه أن يذكر بعض الفنون الشعبية وخاصة الفنون البحرية ، فهو ورث مجدا من الفن الشعبي ، ولقد إطلعت على ديوان شعر له ، كان يرغب أن يطبعه ، ولكن الموت جعل هذا الديوان حبيس الأدراج ، وما زال أحد ابنائه يبحث عن شخصية تتبنى طباعة هذا الإرث الشعبي ، الذي جمع فيه الكثير من الشعر وحسب الألوان الشعبية ، التي أنشدها وتغنى بها في مختلف المناسبات الوطنية .
وهناك الكثير من الفنانين الشعبيين ، الذين يقومون بإحياء الحفلات والمناسبات في مدينة الطرف ، سواء كان في الفرق الشعبية ، أو في حفلات النادي ، وبرز عدد كبير ومنهم :
1- سعد بن عبدالله المرزوق .
2- أحمد بن إبراهيم المسيلم .
3- سعد بن ياسر الياسر .
4- سعد بن عبدالله بوعبيد .
5- محمد علي بوحسون ( بوعرام ) .
6- عبدالعزيز بن علي الرشيد .
7- محمد بن عبدالله الهبر .
8- سالم بن مبارك المسفر .
9- إبراهيم بن سعد المرسل .
10- عيسى بن علي المزيدي : فنان متقن لفنون التراث الحساوي والخليجي ولد في مدينة الطرف عام 1378هـ – 1959م ، وهو من المطربين الشعبيين ، كانت بدايته الفعلية في الفن عام 1392هـ ، تعلم العزف على عود صنعه من علبة القلن ، وكان يستمع لإذاعة البحرين ، ويتلقى منها فنون الأصوات والفنون العراقية والأهازيج الشعبية فيقلدها ، إلى أن أتقن وأجاد .
ثم استعار عوداً حقيقياً من الفنان : مبارك الشملان ، وكان يأخذه منه مغلفاً بخيشة لئلا يراه أحد ، ثم اشترى عوداً من رجل يقال له : بن عجلان .
والمزيدي واحد من أسرة فنية كريمة ، يجيد كل رجالها الفنون بمختلف أنواعها كفنون الصدر والبناء ، وفن الصوت ، والعرضة ، ولهم شهرة كبيرة في منطقة الطرف ، وفي الأحساء عموماً.. إستقر عيسى المزيدي في دولة قطر للعمل ، وهناك التحق بالفرق والدور الشعبية كفرقة ( دار فلاح بن مبارك ) و( دار عيد بن مجلي ) ، وكان يشارك معهم في الأعياد الوطنية والمناسبات المختلفة ، ومن خلال الدور تعرف على عدد من مطربي قطر والبحرين أمثال : فرج عبدالكريم ، محمد الساعي ، محمد راشد الرفاعي ، عبدالله أحمد وغيرهم .
التحق المزيدي بالفرق الموسيقية في الإذاعة القطرية ، وشكل علاقة فنية وصداقات مع كل من : المناعي ، محمد الساعي ، صقر صالح ، عبدالعزيز ناصر ، والمخرج محمد المعضادي ، ومدير الإذاعة عبدالرحمن المعضادي ، وفي إذاعة قطر سجل أغنية من كلمات شاعر من الأحساء هو يوسف السماعيل 0
إشترك المزيدي في عدد من الحفلات والجلسات مع الفنان طاهر الأحسائي ، والفنان عصام ماجد وغيرهما .. وسجل شريطاً واحداً بالإشتراك مع الفنان : مبارك الشملان في استودو خاص بالفنان : خالد الشجار .
كما شارك في العديد من المناسبات في مدينة الطرف مع فرقة سياله ، ومع فرقة الطرف للفنون الشعبية ، وفي احتفالات نادي الطرف الرياضي .
11- مبارك بن الشملان : هو من مواليد مدينة الطرف عام 1362هـ /1943م ، من مطربي منطقة الطرف في محافظة الأحساء ، ومن المجيدين لفنون الصوت بكافة أنواعه قال عنه الفنان والشاعر عبدالوهاب بن أحمد الحسن : مبارك الشملان رجل قمة في روحه وتواضعه وفنه .. ومبارك الشملان فنان تعلم عليه عدد من المطربين في الطرف ، وتأثروا به ، وكان مشجعاً لهم ، ومنهم الفنان عيسى المزيدي وغيره .
12- عبدالوهاب بن أحمد الحسن من مواليد مدينة الطرف شاعر وفنان يجيد العزف على آلة العود ، ويتعامل معه برقة وإحساس ، تدغدغه الكلمة ، فيهيم في أجواء الفن والطرب .. ويدندن على أوتاره بخفة وحنية ، فيطرب الجميع .. ويطرب نفسه ، شارك في العديد من المناسبات خاصة حفلات نادي الطرف الرياضي .. والجلسات الخاصة بأصدقائة .
وأجريت الكثير من المقابلات الشخصية لكثير من الأجداد والآباء ، وحفاظاً على هذه المادة التراثية، أذكر الشخصيات التي التقيت بها ، أو ممن أراه أنه يستحق أن يذكر نظير جهوده في حفظ فنون الآباء وتراثهم من الضياع ، وكل شخصية تذكر لي فناً ، حتى خرجت بحصيلة متنوعة من الفنون الشعبية التراثية ، فقد يكون هناك اسم فن معين ، قد يكون نفس الفن ، ولكن يكون له مسمى آخر ، وهذا ماجعلني في حيرة ! رغم رجوعي لبعض المراجع الفنية ! لكن لم أجد تفسيراً واضحاً يكون سنداً أرجع له ، لذا حاولت أن أذكره ، لعل وعسى من خلال قراءاتي أجد تفسيراً واضحا ، لهذا الخلط ، أو ترادف المسميات ! وأقول اللهجة لها دور كبير في تغيير وتشابه المسيات بين مدن وقرى الأحساء ، وحتى بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الست ، وإن شاء الله من خلال البحث نجد التفسير الذي يساعدنا استيضاح هذه الإشكالية .